إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات ، وما صورته القوة المصورة ، وقسم الراحة هو النوم الذي لا يرى فيه رؤيا ، فهو لمجرد الراحة البدنية لا غير ـ إشاره ـ (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي راحة لأهل الليل إلهية ، كما هو راحة للناس طبيعية ، فإذا نام الناس استراح هؤلاء مع ربهم وخلوا به حسا ومعنى ، لأنه جعل النوم في أعين الرقباء ، فيسألونه من قبول توبة ، وإجابة دعوة ، ومغفرة حوبة وغير ذلك ، فنوم الناس راحة لهم ، فإن الله ينزل إليهم بالليل إلى السماء الدنيا ، فلا يبقى بينه وبينهم حجاب فلكي ، ونزوله إليهم رحمة بهم ، لذلك قال تعالى.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) (١٠)
الليل محل الستر ، ولذلك جعل الليل لباسا ، والنهار محل الظهور والحركة ، ولذلك جعله معاشا ، فقال تعالى :
(وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (١١)
لابتغاء الفضل ، يعني طلب الرزق هنا من وجهه ، فالفضل المبتغى فيه من الزيادة ومن الشرف هو زيادة الفضائل ، فإن الإنسان يجمع ما ليس له برزق ، فهو فضول لأنه يجمعه لوارثه أو لغيره ، فإن رزق الإنسان ما هو ما يجمعه ، وإنما هو ما يتغذى به ، وكما جعل النهار معاشا ، جعل الأعمال رياشا ، فعليك بالاشتغال ، والتزين بأحسن الأعمال ، واحذر من زينة الدنيا والشيطان ، وعليك بزينة الله المنصوص عليها في القرآن ، واغتنم حياة لست فيها بهالك ، ودارا أنت فيها مالك ، ميزانك فيها موضوع ، وكلامك مسموع ، وأذنك واعية ، ومواعظك داعية ، وأنفاسك باقية ، وأعمالك الخيرات واقية ، فنور بيتك المظلم ، وأوضح سرك المبهم ، ما دامت أركان بيتك غير واهية ، قبل أن تحصل في الهاوية.
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا) (١٤)