لا يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ، ولكن يستحق تلك الصفات الله إذا وصف بها ، ليميزها عن صفاته التي يستحقها ، كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن تنزلا منه سبحانه ورحمة بعباده ، فزكاة نفسك إخراج حق الله منها ، فهو تطهيرها بذلك الإخراج من الصفات التي ليست بحق لها ، فتأخذ ما لك منه وتعطي ما له فيك ، فقد أفلح من زكاها فلم يتعد قدره والتزم عبوديته ، وقد خاب من دساها في صفات الربوبية ، والإمكان للممكن واجب لنفسه ، فلا يزال انسحاب هذه الحقيقة عليه لأنها عينه ، والله تعالى لا حق له في الإمكان ، يتعالى الله علوا كبيرا ، فإنه تعالى واجب الوجود لذاته ، غير ممكن بوجه من الوجوه ، وقد وجدنا هذه النفس قد اتصفت بالوجود ، فقلنا : هذا الوجود الذي اتصفت به النفس ، هل اتصفت به لذاتها أم لا؟ فرأينا أن وجودها ما هو عين ذاتها ، ولا اتصفت به لذاتها ، فنظرنا لمن هو ، فوجدناه لله ، كما وجدنا القدر المعين من مال زيد المسمى زكاة ليس هو بمال لزيد ، وإنما هو أمانة عنده ، كذلك الوجود الذي اتصفت به النفس ما هو لها ، إنما هو لله الذي أوجدها ، فالوجود لله لا لها ، ووجود الله لا وجودها ، فقلنا لهذه النفس : هذا الوجود الذي أنت متصفة به ما هو لك ، وإنما هو لله خلعه عليك ، فأخرجه لله وأضفه إلى صاحبه ، وابق أنت على إمكانك لا تبرح فيه ، فإنه لا ينقصك شيء مما هو لك ، وأنت إذا فعلت هذا كان لك من الثواب عند الله ثواب العلماء بالله ، ونلت منزلة لا يقدر قدرها إلا الله ، وهو الفلاح الذي هو البقاء ، فيبقي الله هذا الوجود لك لا يأخذه منك أبدا ، فهذا معنى قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي قد أبقاها موجودة من زكاها ، وجود فوز من الشر ، أي من علم أن وجوده لله أبقى الله عليه هذه الخلعة يتزين بها منعما دائما ، وهو بقاء خاص ببقاء الله ، فإن الخائب الذي دساها هو أيضا باق ، ولكن بإبقاء الله لا ببقاء الله ، فإن المشرك الذي هو من أهل النار ما يرى تخليص وجوده لله تعالى من أجل الشريك ، وكذلك المعطل ، وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل من لا علم له أن المشرك والمعطل قد أبقى الله الوجود عليهما ، فبينا أن إبقاء الوجود على المفلحين ليس على وجه إبقائه على أهل النار ، ولهذا وصف الله أهل النار بأنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، بخلاف صفة أهل السعادة ، فإنهم في الحياة الدائمة ، وكم بين من هو باق ببقاء الله وموجود بوجود الله وبين من هو باق بإبقاء الله وموجود بالإيجاد لا بالوجود ،