وبهذا فاز العارفون ، لأنهم عرفوا من هو المستحق لنعت الوجود ، وهو الذي استفادوه من الحق ، فهذا معنى قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) فوجبت الزكاة في النفوس كما وجبت في الأموال ، ووقع فيها البيع والشراء كما وقع في الأموال ، والزكاة في النفوس آكد منها في الأموال ، ولهذا قدمها الله في الشراء فقال (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) ثم قال (وَأَمْوالَهُمْ) واعلم أن النفوس لا تزكو إلا بربها ، فبه تشرف وتعظم في ذاتها ، لأن الزكاة ربو ، فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، والصورة في الشاهد صورة خلق فقد زكت نفس من هذا نعته ، ولذلك قال (قَدْ أَفْلَحَ) ففرض له البقاء والبقاء ليس إلا لله (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) لأنه جهل أنه هكذا في نفس الأمر ، فإن الخلق كله بهذا النعت في نفس الأمر ، وإلا ما صح لصورة الخلق ظهور ولا وجود ، فوصف بالخيبة حيث لم يعلم هذا ، فهو محروم من نيل غرضه بهذا العلم ، وما ثمّ في الآخرة إلا داران ، جنة ولها أهل ، وهم الموحدون بأي وجه وحدوا ، وهم الذين زكوا أنفسهم ، والدار الثانية النار ولها أهل ، وهم الذين لم يوحدوا الله ، وهم الدّاسون أنفسهم فخابوا ، ومن وجه آخر (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) بالأعمال الصالحة ، (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) فأدخلها في الصالحين وليست منهم ، فإن من أمراض الأحوال صحبة الصالحين حتى يشتهر في الناس أنه منهم ، وهو في نفسه مع شهوته ، فإن حضروا سماعا ، وهو قد تعشق بجارية أو غلام ـ والجماعة لا تعلم بذلك ـ فأصابه وجد وغلب عليه الحال لتعلقه بذلك الشخص الذي في نفسه ، فيتحرك ويصيح ويتنفس الصعداء ، ويقول : الله الله ؛ أو : هو هو ؛ ويشير بإشارات أهل الله ، والجماعة تعتقد في حاله أنه حال إلهي ، مع كونه ذا وجد صحيح وحال صحيحة ، ولكن فيمن؟! دواؤه (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) وما أشبه هذه الآية من الأخبار ، فمن أراد طريق العلم والسعادة فلا يضع ميزان الشرع من يده نفسا واحدا ما دام مكلفا ، لأنه إن وضعه من يده نفسا واحدا فني الشرع ، فإن كل حركة في المكلف ومن المكلف وسكون لميزان الشرع فيه حكم ، فلا يصح وضعه مع بقاء الشرع.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (١١) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (١٢) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا