وجوه ـ الوجه الأول ـ أحالنا الحق في العلم به على الآفاق وهو ما خرج عنا ، وعلى أنفسنا وهو ما نحن عليه وبه ، فإذا وقفنا على الأمرين معا ، حينئذ عرفناه وتبين لنا أنه الحق ، وذكر الحق الآفاق أولا حذرا عليك أن تتخيل أنه قد بقي في الآفاق ما يعطي من العلم ما لا تعطيه نفسك ، وحتى إذا عرفت عين الدلالة منه على الله ، نظرت في نفسك ، فوجدت ذلك بعينه الذي أعطاك النظر في الآفاق ، أعطاك النظر في نفسك من العلم بالله ، فلم تبق لك شبهة تدخل عليك ، لأنه ما ثمّ إلا الله وأنت وما خرج عنك ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من عرف نفسه عرف ربه] فإنه صلىاللهعليهوسلم علم أن النفس جامعة لحقائق العالم ، فجمعك عليك حرصا منه ، حتى تقرب الدلالة فتفوز معجلا بالعلم بالله فتسعد ، فإنه لو خرج الإنسان عن غيره ما خرج عن نفسه ، فمن خرج عن نفسه وعن العالم فقد خرج عن الحق ، ومن خرج عن الحق فقد خرج عن الإمكان والتحق بالمحال ، ومن حقيقته الإمكان لا يلحق بالمحال وذلك قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ـ الوجه الثاني ـ ذكر الله تعالى النشأتين بقوله (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) فذكر نشأة صورة العالم بالآفاق ، ونشأة روحه بقوله (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) ليعلموا أن الإنسان عالم وجيز من العالم ، يحوي على الآيات التي في العالم (راجع سورة الرعد الآية ـ ٣ ـ) وقدّم الله رؤية الآيات في العالم كالذي وقع في الوجود ، فإنه أقدم من الإنسان ، فالذي يريه الله الآيات يريه آيات العالم قبل آيات نفسه لأن العالم قبله ، ثم بعد هذا يريه الآيات التي أبصرها في العالم في نفسه ، فلو رآها أولا في نفسه ثم رآها في العالم ، ربما تخيل أن نفسه رأى في العالم ، فرفع الله عنه هذا الإشكال بأن قدم له رؤية الآيات في العالم (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) وتبين له ذلك ، والعالم على صورة الحق ، والإنسان على صورة الحق ، فالإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير ، والآيات هي الدلالات له على أنه الحق الظاهر في مظاهر أعيان العالم ، فظهور الحق فيه هو الذي تبين له بالآيات ، وهو عثورهم على وجه الدليل وحصول المدلول ، ولذلك ذكر تعالى أنه يريهم آيات ، ما جعل ذلك آية واحدة ، فهذه صفة أهل الاعتبار والنظر المأمور به شرعا ، فما يفرغون من نظر في دليل بعد إعطائه إياهم مدلوله ، إلا ويظهر الله لهم دليلا آخر ، فيشتغلون بالنظر فيه إلى أن يوفي لهم ما هو عليه من الدلالة ، فإذا حصلوا مدلوله أراهم الحق دليلا آخر ، هكذا دائما ، ولهذا تمم تعالى في