التعريف (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الأعيان (شَهِيدٌ) على التجلي فيه والظهور ، يعني أن يكون دليلا على نفسه ، وأوضح الدلالات دلالة الشيء على نفسه بظهوره ، ولذلك ذكر الرؤية ، والآيات للتجلي ، فيتبين لهم أنه الحق ، يعني ذلك التجلي الذي رأوه علامة ، أنه علامة على نفسه ، فيتبين لهم أنه الحق المطلوب ـ الوجه الثالث ـ دليلك على الحق نفسك والعالم ، وهو قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا) أي الدلالة علينا (فِي الْآفاقِ) وهو ما خرج عنهم (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) وهو ما هم عليه ، وما كثّر الله لنا الآيات في العالم وفي أنفسنا ـ إذ نحن من العالم ـ إلا لنصرف نظرنا إليه ، ذكرا وفكرا وعقلا وإيمانا وعلما وسمعا وبصرا ونهى ولبا ، وما خلقنا إلا لنعبده ونعرفه ، وما أحالنا في ذلك على شيء إلا على النظر في العالم ، لجعله عين الآيات والدلالات على العلم به مشاهدة وعقلا ، فإن نظرنا فإليه ، وإن سمعنا فمنه ، وإن عقلنا فعنه ، وإن فكرنا ففيه ، وإن علمنا فإياه ، وإن آمنّا فبه ، فهو المتجلي في كل وجه ، والمطلوب من كل آية ، والمنظور إليه بكل عين ، والمعبود في كل معبود ، والمقصود في الغيب والشهود ، لا يفقده أحد من خلقه بفطرته وجبلته ، فجميع العالم له مصلّ ، وإليه ساجد ، وبحمده مسبّح ، فالألسنة به ناطقة ، والقلوب به هائمة عاشقة ، والألباب فيه حائرة ، يروم العارفون أن يفصلوه من العالم فلا يقدرون ، ويرومون أن يجعلوه عين العالم فلا يتحقق لهم ذلك ، فهم يعجزون ، فتكلّ أفهامهم ، وتتحير عقولهم ، وتتناقض عنه في التعبير ألسنتهم (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فالعالم كله مرآة الحق ، وعندما يتحقق المتحققون بمحبة الله عزوجل ، ما يرون في العالم إلا صورة الحق ، ظهر فيه بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالآيات هنا دلالات أنها مظاهر الحق ، فما ألطف سريان الحق في الموجودات ، فجميع الأشياء مظهر الحق ومجلاه ـ الوجه الرابع ـ (سَنُرِيهِمْ آياتِنا) وهي الدلالات وهو ما هم عليه (فِي الْآفاقِ) فما ترك شيئا من العالم ، فإن كل ما خرج من العالم عنك فهو عين الآفاق ، وهي نواحيك (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) فأبان تعالى لنا في هذه الإحالة على أحسن الطرق في العلم به ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من عرف نفسه عرف ربه] وقال : [أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه] والنفس بحر لا ساحل له ، لا يتناهى النظر فيها دنيا وآخرة ، وهي الدليل الأقرب ، فكلما ازداد نظرا ازداد علما بها ، وكلما ازداد علما بها ازداد علما بربه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) لا غيره ، فلو علمت نفسك علمت