ربك ، كما أن ربك علمك وعلم العالم بعلمه بنفسه ، وأنت صورته ، فلابد أن تشاركه في هذا العلم ، فتعلمه من علمك بنفسك ، إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه ، فمن رحمة الله تعالى بالإنسان أن أشهده أولا نفسه ، فرأى في نفسه قوى ينبغي أن لا تكون إلا لمن هو إله ، فلما حقق النظر بعقله ، ونظر إلى العوارض الطارئة عليه بغير إرادته ، ومخالفة أغراضه ، ووجد الافتقار في نفسه ، علم قطعا أن عين وجوده شبهة ، وأن هذه الصفات لا ينبغي أن تكون إلا لمن هو إله ، فنفى تلك الألوهة التي قامت له من نفسه ، ثم إنه لما أمعن النظر وجد نفسه قائما بغيره ، غير مستقل في وجوده ، فأوجب وأثبت بعد أن نفى ، فقال : لا إله إلا الله ؛ وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : [من عرف نفسه عرف ربه] فانظر ما ألطف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمته ، وما أحسن ما علمهم وما طرّق لهم ، فنعم المدرس والمطرق ، جعلنا الله ممن مشى على مدرجته حتى التحق بدرجته ، آمين بعزته ـ الوجه الخامس ـ اعلم أن الله لما سوّى جسم العالم ، وهو الجسم الكل الصوري ، في جوهر الهباء المعقول ، قبل فيض الروح الإلهي الذي لم يزل منتشرا غير معين ، إذ لم يكن ثمّ من يعيّنه ، فحيي جسم العالم به ، والعالم إنسان كبير ، وهو ليس كذلك إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومرتبته صلىاللهعليهوسلم من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان الكامل ، الذي حاز درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في البقاء والتنوع في الصور وفي بقاء العالم به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من عرف نفسه عرف ربه] إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه ، وهذا نظير قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) فذكر النشأتين ، نشأة صورة العالم بالآفاق ونشأة روحه بقوله : (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) فهو إنسان واحد ذو نشأتين (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) للرائين (أَنَّهُ الْحَقُّ) أي أن الرائي فيما رآه الحق لا غيره ـ الوجه السادس ـ لما نصب الحق الأدلة عليه ، نصبها في الآفاق على وجوده خاصة ، فما نابت الآفاق في الدلالة عليه بما جعل فيها من الآيات منابه لو ظهر للعالم بذاته ، فخلق الإنسان الكامل على صورته ، ونصبه دليلا على نفسه لمن أراد أن يعرفه بطريق المشاهدة ، لا بطريق النظر الفكري الذي هو طريق الرؤية في الآفاق ، وهو قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) ثم لم يكتف بالتعريف حتى أحال على الإنسان الكامل حتى قال : (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) وهنا قال : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) أي أن ذلك المرئي هو الحق ، فالآيات دلالات عليه وعلينا ، وكذلك