عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه ، ولا سرعة أسرع مما ذكرناه ، فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست صاحب وحي ، فالوحي ما يسرع أثره من كلام الحق تعالى في نفس السامع ، وقد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي الأمري بالإيمان بما يقع به الإخبار ، والمفطور عليه كل شيء مما لا كسب له فيه من الوحي أيضا ، كالمولود يتلقى ثدي أمه ، ذلك من أثر الوحي الإلهي إليه ، وقال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ) فلو لا ما فهمت من الله وحيه لما صدر منها ما صدر ، ولهذا لا يتصور المخالف إذا كان الكلام وحيا ، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) وكذا فعلت ولم تخالف ، مع أن الحالة تؤذن أنها ألقته في الهلاك ، ولم تخالف ولا ترددت ولا حكمت عليها البشرية ، بأن إلقاءه في اليم في تابوت من أخطر الأشياء ، فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الذي هو عين نفسه ، فإذا زعمت أن الله أوحى إليك ، فانظر في نفسك في التردد أو المخالفة ، فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفضيل أو تفكر فلست صاحب وحي ، فإن حكم عليك وأصمك وحال بين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك ، فذلك هو الوحي ، وأنت عند ذلك صاحب وحي ، والوحي على ضربين ـ الوجه الأول ـ الوحي منه ما يلقيه الحق إلى قلوب عباده من غير واسطة ، فأسمعهم في قلوبهم حديثا لا يكيف سماعه ، ولا يأخذه حدّ ولا يتصوره خيال ، ومع هذا يعقله ولا يدري كيف جاء ، ولا من أين جاء ، ولا ما سببه ، فقوله تعالى : (إِلَّا وَحْياً) يعني من الوجه الخاص ، بما يلقي الله برفع الوسائط ، وهو ما يلقيه في القلب على جهة الحديث ، فيحصل من ذلك علم بأمر ما ، وهو الذي تضمنه ذلك الحديث ، وإن لم يكن كذلك فليس بوحي ولا خطاب ، فإن بعض القلوب يجد أصحابها علما بأمر ما من العلوم الضرورية عند الناس ، فذلك علم صحيح ليس عن خطاب ، وكلامنا إنما هو في الخطاب الإلهي المسمى وحيا ، فإن الله تعالى جعل مثل هذا الصنف من الوحي كلاما ، ومن الكلام يستفيد العلم بالذي جاء له ذلك الكلام ، وبهذا يفرق إذا وجد ذلك ، وهؤلاء البشر منهم المحدثون الذي ورد الخبر الصحيح أن عمر بن الخطاب منهم ـ الوجه الثاني ـ (إِلَّا وَحْياً) يريد إلهاما بعلامة يعلم بها أن ربه كلمه ، حتى لا يلتبس عليه الأمر (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) فهو خطاب إلهي يلقيه على السمع لا على