القابليّتين والقوّتين المذكورتين متخالفتان بالحقيقة والنوع. ولا يجوز أن يكون ضمّ إحداهما إلى الاخرى منشئا لزيادة تأثيرها ، بل يصير معاوقة عن تاثيرها الخاصّ بها ، فالقوّة الّتي في حجر مثلا إذا فرض ضمّها إلى القوّة الّتي في جزء من الفلك لا يمكن أن يصير منشئا لزيادة تاثيره ، بل يعاوقها عن تاثيرها ، لأنّ القوّة الحجرية تقتضي الحركة المستقيمة والقوّة الفلكية تقتضي الحركة المستديرة ، فكيف يتحقّق بينهما التعاون؟! ، بل المعين لإحداهما إنّما هو ما يكون من نوعه. وهو لا يصير منشئا للازدياد بحسب المدّة ، بل بحسب الشدّة أو العدّة ، فلو فرض القوّة الّتي في جزءين من الفلك موجودة في جزء واحد لصار منشئا لزيادة حركته بحسب الشدّة بأن تصير حركته سريعة ضعف ما كان لقوّته المختصّة به ؛
قلنا : لا ريب في تحقّق الاختلاف في كلّ واحد من المدّة والعدّة والشدّة زيادة ونقصانا ، والنقصان في كلّ واحد منها ينتهى إلى العدم ، والزيادة تتصوّر إلى غير النهاية. إلاّ أنّ حصول الزيادة في كلّ واحد منها إلى حدّ يصل إلى غير النهاية في الخارج غير ممكن ، لان الاختلاف في كلّ واحد زيادة ونقصانا انّما هو لأجل الاختلاف في القوّة وهو لأجل الاختلاف في القابلية ، ومراتب القابلية تنتهي في الضعف إلى العدم وتستمر في الشدّة إلى غير النهاية فكلّ مرتبة من القابلية الّتي بإزاء القوّة الّتي بإزاء مرتبة من التأثير في أحد الاقسام الثلاثة محصورة بين طرفين. وأيضا كلّ مرتبة من القابلية الّتي تصير منشئا لصدور الفعل بأحد الوجوه أقلّ ممّا فوقها ، ولا يجوز أن توجد مرتبة تكون أعلى المراتب ـ لأنّ هذه المرتبة اقلّ بالضرورة من نفسها مع بعض المراتب السابقة ، وكلّ اقلّ متناه ـ والحاصل : انّ الاختلاف بحسب المدّة ثابت وهو إنّما يكون بحسب اختلاف القوّة والاختلاف بحسب القوّة انّما هو بحسب اختلاف القابلية ، فالقابلية الّتي تصير منشئا لاختلاف الفعل بحسب المدّة مراتبها تنتهي في الضعف إلى العدم وتستمرّ في الزيادة إلى غير النهاية ، فكلّ مرتبة منها محصورة بين حاصرين ، وكلّ مرتبة منها اقلّ ممّا فوقها ولا يجوز أن توجد مرتبة تكون أعلى المراتب ـ لأنّ هذه المرتبة اقلّ من نفسها مع بعض المراتب السابقة ـ.