العيان دلّت على اختلاف / ٢٩DA / طبائعها بالنوع ، لأنّها لو كانت من نوع واحد لكانت الكلّ متواصلة ، لأنّ موجب التباين إنّما هو الاختلاف في الطبع ولذا ترى كلّ جسمين إذا كانا من نوع واحد وصب أحدهما على الآخر يختلطان (١) بحيث يصيران جسما واحدا (٢) ـ كالماءين والدهنين ـ ، واذا كانا من نوعين ـ كالدهن والماء ـ لا يختلطان مع الانصباب ؛ فالافلاك لو كانت من نوع واحد لكانت الكلّ متواصلة. كيف لا ونسبة اجزاء كلّ فلك حينئذ إلى أجزاء الفلك الآخر كنسبة اجزائه بعضها إلى بعض؟!.
وأيضا لو كانت من نوع واحد لجاز أن يتحرّك الأسفل إلى مكان الأعلى وبالعكس ـ كما في أجزاء الماء والهواء ـ ، ولو جاز ذلك لكانت قابلة للحركة المستقيمة ، وهو باطل ـ على ما بيّن في موضعه ـ.
وإذ تحقّق اختلافها بالنوع نقول : لا ريب انّ هذه الاجسام السماوية المختلفة في الطبيعة النوعية لا يجوز أن يكون بعضها علّة للبعض ، لاستحالة أن يكون الجسم سببا لايجاد الجسم ـ لما تبيّن في موضعه من أنّ تأثير الجسم إنّما يكون بمشاركة الوضع من المماسة أو المجاورة أو المحاذاة ـ ، فتأثيره يتوقّف على وجود أمر ذي وضع حتّى تؤثر فيه.
ولذا ترى أنّ النار تسخّن (٣) ما يكون ملاقيا لجسمها أو قريبا منه ، دون ما كان بعيدا منه ؛ والشمس تضيء ما كان مقابلا لجرمها أو ما هو في حكم المقابلة دون ما هو مستور عنها. وما يشاهد من حصول بعض العناصر من بعض ـ كتكوّن الماء والنار من الهواء مثلا ـ فليس ذلك من ايجاد جسم لجسم آخر ، بل مادّة الهواء تستعدّ لأجل اسباب ترد عليها لفيضان صورة أخرى من فاعل غير جسماني ، مع أنّ حصول الصورة المائية والنارية إنّما هو من مادّة سابقة ، فيتحقّق الوضع الّذي هو شرط في تأثير الجسم في الجسم. وما ثبت امتناعه إنّما هو تأثير الجسم في غيره من غير مشاركة وضع ووجود مادّة.
فان قيل : كما يجوز صدور القوى الجسمانية من المفارق عن المادّة بالكلّية من دون
__________________
(١) الاصل : يختلفان.
(٢) الاصل : وهذا.
(٣) الاصل : انّ الماء المسخن.