المخرج المذكور يجب أن يكون ما هو بالفعل من كلّ الوجوه وهو صفة الواجب ـ تعالى شأنه ـ. فمقيض الوجود والفعليّة لكلّ موجود ليس إلاّ هو. وهذا هو المطابق لكلام الحكماء ؛ فانّهم متّفقون على أنّ جميع الموجودات صادرة منه ـ تعالى ـ ، وانّ الوجود معلول له ـ تعالى ـ على الاطلاق. قال افلاطن الإلهي على ما نقل عنه المعلّم الأوّل في أثولوجيا : انّ علّة الانيات الخفية الّتي لا اجرام لها والأشياء الحسية ذوات الأجرام واحدة وهي الانية الأولى الحقّ ـ يعنى الباري الخالق سبحانه ـ. ثم قال : انّ الباري الأوّل الّذي هو علّة الانيات العقلية الدائمة فالانّيات الخسيسة الداثرة هو الخير المحض والخير لا يليق بشيء من الأشياء إلاّ به ، وكلّ ما كان في العالم الأعلى والعالم الأسفل من خير فليس ذلك من طبائعها ولا من طباع الإنّيات العقلية ولا من طباع الإنّيات الخسيسة الداثرة ، لكنّها من تلك الطبيعة العالية وكلّ طبيعة عقلية وحسية منها بادية ، فانّ الخير انّما ينبعث من الباري في العالمين ، لأنّه مبدي الأشياء ومنه تنبعث الحياة والأنفس إلى هذا العالم. وانّما يتمسّك هذا العالم بتلك الحياة والأنفس الّتي صارت من العلو في هذا العالم وهي الّتي تزين هذا العالم لكيلا يتفرّق فتفسد. ثمّ قال : انّ الانية الأولى الحقّ هي الّتي تفيض على العقل الحياة أوّلا ثمّ على النفس ثمّ على الأشياء الطبيعية ، وهو الباري الّذي هو خير محض وقال المعلم الأوّل بعد نقل هذه الكلمات من استاذه الإلهي : وما أحسن وما أصوب ما وصف به (١) هذا الفيلسوف الباري ـ تعالى ـ إذ قال : انّه خالق العقل والنفس والطبيعة والأشياء كلّها وليس كشيء من الأشياء ، بل هو يبدو الشيء وليس هو الأشياء ، بل الأشياء كلّها فيه وليس هو في شيء من الأشياء. وذلك انّ الأشياء. كلها انّما انبثت منه وبه ثباتها وقوامها وإليه مرجعها (٢). وقال الشيخ الرئيس في الإشارات : انّ الأوّل يبدع جوهرا عقليا هو بالحقيقة مبدع وبتوسّطه جوهرا عقليا وجرما سماويا وكذلك ( عن ذلك ) (٣) الجوهر العقلي حتّى يتمّ الأجرام السماوية وينتهي إلى جوهر عقلي لا يلزم منها جرم / ٦٧MB /
__________________
(١) الاصل : ـ به.
(٢) لم أعثر على هذه العبارات في اثولوجيا.
(٣) ( ... ) : لم يوجد في النسختين.