الاعتراض المذكور ، فمهّد أوّلا مقدّمة ، وهي انّ المراد « بمعنى ما بالقوّة » : ما يفهم من لفظ « ما بالقوة ». ويوضح المفهوم منها انّ « ما » موصولة و « الباء » للسببية المجازية ، والمراد من « القوّة » هو الامكان على ما ذكره الشيخ في إلهيات الشفاء : انّ الفلاسفة نقلوا اسم القوّة عمّا هو المشهور فيه من المعنى المقابل للضعف أو العجز أو سهولة الانفعال إلى كلّ حال يكون في شيء هو مبدأ تغيّر يكون منه في آخر من حيث انّه آخر ، وإن لم تكن هناك إرادة حتّى سمّوا الحرارة قوّة لأنّها مبدأ التغيّر من الحارّ في آخر. ثمّ لمّا وجدوا الشيء الّذي له قوّة بالمعنى المشهور ـ قدرة كانت أو شدّة قوّة ـ وليس امكان أن يفعل نقلوا اسم القوّة إلى الامكان فسمّوا الشيء الّذي في حدّ الامكان موجودا بالقوّة ، وسمّوا امكان قبول الشيء وانفعاله قوّة انفعاله ؛ انتهى خلاصة كلام الشيخ (١).
فالمفهوم من « ما بالقوة » : الحالة الحاصلة للذات باعتبار الامكان الّذي هو سلب الضرورة ، ولا شكّ انّ تلك الحالة أمر عدمي. وعلى طبق ذلك يكون الفعل المقابل للقوّة المذكورة هو الوجوب ، والمفهوم من « ما بالفعل » الحالة الحاصلة للذات باعتبار الوجوب. وهذه الحالة تكون وجوديّة تقابل الحالة الاولى. والفرق بين الحالتين من جهة أخرى انّ الثانية غير مخصوصة بالواجب للذات لجواز عروضها بسبب خارجي للممكن بالذات بخلاف الأولى. لأنّها مخصوصة بالممكن بالذات لاستحالة عروض الامكان مطلقا للواجب بالذات ، لأنّ الواجب بالذات بريء من كلّ الوجوه عن معنى ما بالقوّة ؛ وما سواه من الممكنات الموجودة فيه معنى ما بالقوّة من / ٦٩MA / تلقاء نفسه ومعنى ما بالفعل بافاضة غيره. وبعد تمهيد هذه المقدّمة قال : فالوجه في تقرير الدليل انّ الممكن لو كان مفيدا للوجود ـ أي : مخرجا للشيء من القوّة إلى الفعل ؛ يعنى من صرافة الامكان إلى الوجوب ـ لكان هذا الوجود الصادر منه مرتّبا عليه. ويجب أن لا يكون هذا الوجود المرتب عليه مرتّبا على ماله من غيره فقط. للزوم أن يكون المفيد بالحقيقة حينئذ هو الغير ليس إلاّ ؛ هذا خلف. فيلزم أن يكون لماله من تلقاء نفسه دخل فيه ، فيكون العدم شريكا في افاضة الوجود ويكون لمّا بالقوّة شركة في اخراج
__________________
(١) راجع : الشفاء / الالهيات ، الفصل الثاني من المقالة الرابعة ، ج ١ ، ص ١٧١ ، ١٧٠.