جميع المؤثّرات إليه ـ سبحانه ـ يوجب كون جميع المقدورات بلا واسطة إذا أخذ القدرة بالمعنى المشهور ، لأنّ مقدور المقدور للشيء مقدور له بالنظر إلى الذات ؛ أو بواسطة أو بدونها إذا أريد من القدرة القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير. فما قال المعترض : من أنّه لا يثبت مقدورية كلّ ممكن ـ بمعنى امكان تعلّق القدرة بلا واسطة ـ إن اراد انّه لا يثبت مقدورية الكلّ بالقدرة بالمعنى المشهور فهو بيّن الفساد ؛ وإن أراد أنّه لا يثبت مقدورية الكلّ بالقدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير ، ففيه : انّه غير ضارّ ، لأنّ المطلوب أعمّ. على أنّه لو سلّم ما نقلناه من بهمنيار ـ من أنّ الممكن لا شيء محض ، فلا يمكن أن يكون موجدا لشيء ـ يثبت مقدورية الكلّ له ـ تعالى ـ بالقدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير أيضا بلا واسطة ـ كما ذهب إليه الأشاعرة ـ. وعلى أيّ تقدير إذا انتهى الكلّ إليه ـ تعالى ـ ولو بتخلّل الوسائط في بعض الممكنات يكون صدوره منه ـ تعالى ـ بالقدرة والإرادة لقيام الأدلّة على ذلك.
فما ذكره من أنّ صدور بعض الممكنات عن بعض مقدوراته ـ تعالى ـ طبعا أو اختيارا ، ففيه : انّه إنّما ينافي مقدورية الكلّ له ـ تعالى ـ بلا واسطة القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير ، لا بالقدرة بالمعنى المشهور ؛ فلا ضير فيه.
وما ذكره من جواز صدور بعض الممكنات عنه ـ تعالى ـ بدون إرادة ـ ... إلى آخره ـ ، ففيه : انّه مدفوع بما دلّ على أنّ كلّ فعل منه ـ تعالى ـ بالعلم والإرادة. وعلى ما ذكرناه من أنّ المدّعى انّ كلّ الممكنات مقدورة له ـ تعالى ـ سواء كان بلا واسطة أو بواسطة وانّ قدرة جميع القادرين ينتهى إليه ـ تعالى ـ يندفع أيضا ما أورد على الدليل المذكور : بأنّا لا نسلّم أنّ كلّ ما هو مقدور هو مقدور له ـ تعالى ـ ، لم لا يجوز أن تكون لبعض المقدورات خصوصية بالنسبة إلى بعض القادرين؟! ، فانّ المعتزلة ـ : القائلين بأنّ افعال العباد مقدورة لهم ـ يخصّصون خلق الاجسام بقدرة الباري ـ تعالى ـ.
ووجه الاندفاع : انّه مع تسليم تحقّق الخصوصية لبعض المقدورات بالنسبة إلى بعض القادرين نقول : لا ريب في انتهاء قدرة بعض القادرين إليه ـ تعالى ـ ، لأنّه لمّا كان مقدور المقدور للشيء مقدورا له ، وجب انتهاء جميع المقدورات إلى الواجب بالذات ؛