يحمل القدرة المطلقة ـ الّتي صرّح هذا القائل بتعلّقها بجميع الممكنات ـ على هذا المعنى؟.
ثمّ لا يخفى انّه بعد اتفاقهم على تعلّق القدرة المستجمعة بجميع ما له امكان الوقوع بالنظر إلى العلم بالاصلح ـ أعني : نظام الممكنات الموجودة ـ اختلفوا ـ كما أشير إليه مرارا ـ بأنّ تعلّقها بجميع الممكنات هل هو بلا واسطة ـ حتّى يكون مفيض الوجود على الجميع هو الواجب سبحانه من دون تأثير من الوسائط ـ ، أو أعمّ من كونه بالواسطة بالنسبة إلى بعض الموجودات؟ وقد ذكرنا انّ الظاهر من كلام الحكماء هو الأوّل ، وهو المقطوع به عند الأشاعرة ، وقد صرّح به أيضا جماعة من المتأخّرين. قال بعض الأذكياء : لمّا ثبت انّ الامكان علّة الاحتياج إلى المؤثّر مطلقا في بادي الرأي وبعد حكم البرهان يظهر انّ الامكان علّة الاحتياج إلى الواجب المؤثّر الواجب بالذات ـ لأنّ مقتضى الوجود ليس إلاّ الواجب تعالى ، والامكان الّذي علّة الاحتياج إلى الواجب بالذات مشترك بين جميع الممكنات وعامّ بالنسبة إليها ـ فيكون جميع الممكنات صادرة عنه ـ تعالى ـ بالعلم والإرادة ، وما يصدر عن الشيء بالارادة يكون مقدورا له ، لأنّ القدرة هي الصفة الّتي تؤثّر على وفق الإرادة ، فيكون جميع الموجودات صادرة عنه ـ تعالى ـ بالارادة والاختيار ؛ فيلزم أن يكون جميع الممكنات مقدورة له ـ تعالى ـ بلا واسطة. فعمومية العلّة ـ الّتي هي الامكان ـ تستلزم عمومية صفة المقدورية ، وهذا هو مراد المحقّق الطوسي في التجريد من قوله : « وعمومية العلّة تستلزم عمومية الصفة (١) » ؛ انتهى.
والظاهر من كلام جماعة هو الثاني ، فانّه يظهر من كلامهم تجويز أن يؤثّر بعض الممكنات في بعض آخر بالجهة المستندة إليه ـ تعالى ـ. وقد ذكرنا انّ نظر الفرقة الأولى إلى أنّ مفيض الوجود ليس إلاّ الواجب ـ تعالى ـ ، لأنّ الممكن لا شيء محض وما كان كذلك لا يصحّ أن يصير موجدا ، وعلى هذا فشمول قدرته لجميع الموجودات بلا واسطة
__________________
(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الاولى من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢١٩.