المقالة الاولى
في اثبات الواجب الوجود لذاته
اعلم! أنّ هذا المطلب مع كونه من أعلى المطالب الالهية وأسنى المقاصد الحكمية وأصل كلّ السعادات وأفضلها ومبنى جميع الخيرات وأشرفها والغاية العظمى للناظرين في حقائق الملك والملكوت والوجهة الكبرى للمسافرين إلى صقع عالم الجبروت ، قد امتاز عن جميعها بالوضوح والجلاء ؛ بحيث لا يخفى على الأغبياء فضلا عن العقلاء ، كيف لا؟! وكلّ من يرقى من حضيض الحيوانية وأعطى حظّا من الانسانية يعلم أنّ هذه الموجودات الكثيرة العظيمة لم توجد بنفسها ولا بما هو محتاج مثلها ؛ بل انّما وجدت من صانع غنىّ عن غيره ، ولذا لو تصفّحت فرق الأنام من الخاصّ والعامّ واطّلعت على بواطنهم وعقائدهم وجدتهم متّفقين على الاقرار بإله العالم وصانعه : بل علمت أنّ منكره انّما ينكر باللسان وقلبه مطمئنّ بالايمان ـ كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين : فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود على اقرار قلب ذي الجحود ـ (١) ؛ وهذا يدلّ على أنّ معرفة الله فطرية. ويؤكّده اضطرار الناس في المضايق والمصائب إلى التوجّه والفرار إلى إلههم وخالقهم (٢).
__________________
(١) من كلام له ـ عليهالسلام ـ وفيه جملة من صفات الربوبية والعلم الالهى. راجع : نهج البلاغة ، الخطبة ٤٩ ص ٨٨.
(٢) راجع : المطالب العالية ، ج ١ ص ٢٤٠ ، حيث انعقد الرازي الفصل الثاني من القسم الثاني