تعالى خاصة خزائن الغيب أي قدرة كاملة على كل الممكنات من المطر والنبات ، والثمار ونزول العذاب (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) أي لا يعلم مفاتح الغيب بنزول العذاب الذي تستعجلون به إلا هو فالعذاب ليس مقدورا لي حتى أعجله لكم ولا معلوما لدي حتى أخبركم بوقت نزوله بل هو مما يختص به تعالى قدرة وعلما (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) من الموجودات مفصلة على اختلاف أجناسها وأنواعها وتكثر أفرادها ، وإنما قدم ذكر البر لأن الإنسان قد شاهد أحوال البر وكثرة ما فيه من المدن والقرى والمفاوز ، والجبال والتلال ، والحيوان والنبات والمعادن ، وأما البحر فإنما أخر ذكره لأن إحاطة العقل بأحواله أقل لكن الحس يدل على أن عجائب البحر أكثر ، وأجناس المخلوقات أعجب وأن طول البحر وعرضه أعظم (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) من الشجر والنجم (إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) أي وما حبة ملقاة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس من كل شيء إلا في علم الله تعالى ، فإذا سمع الإنسان أن الحبة الصغيرة الملقاة في مواضع متسعة يبقى أكبر الأجسام مخفيا فيها وأن الماء والنابت والحي وخلافها لا تخرج عن علم الله تعالى ، صارت هذه الأمثلة منبهة على معنى قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ).
وقيل : المراد بالكتاب المبين هو اللوح المحفوظ إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ ، لتقف الملائكة على نفاذ علم الله تعالى في المعلومات فيكون في ذلك عبرة تامة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقا له (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) أي ينيمكم في الليل وإنما صح إطلاق لفظ الوفاة على النوم لأن ظاهر الجسد صار معطلا عن بعض الأعمال عند النوم كما أن جملة البدن صارت معطلة عن كل الأعمال عند الموت فحصل بين النوم والموت مشابهة من هذا الاعتبار (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) أي يعلم ما كسبتم من أعمال الجوارح في النهار (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أي يوقظكم في النهار (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أي لكي يتم أجل معين عند الله لكل فرد فرد بحيث لا يكاد يتجاوز أحد ما لا عين له طرفة عين (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي رجوعكم بالموت (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠) أي يخبركم بمجازاة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الليل والنهار من الخير والشر (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) أي وهو الغالب المتصرف في أمور عباده يفعل بهم ما يشاء إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا إلى غير ذلك فالممكنات كلها مقهورة تحت قهر الله تعالى مسخرة تحت تسخير الله تعالى (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) أي ملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها في صحائف تقرأ عليكم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) أي حتى إذا انتهت مدة أحدكم وانتهى حفظ الحفظة وجاءه أسباب الموت قبضه ملك الموت وأعوانه (وَهُمْ) أي هؤلاء الرسل (لا يُفَرِّطُونَ) (٦١) أي لا يؤخرون الميت طرفة عين.