أذبح نفسي لمرضاة عيسى ، ثم دخل المذبح فذبح نفسه فتفرقوا ودعوا الناس إلى مذاهبهم واختلفوا ووقع القتال فكان ذلك سبب قولهم المسيح ابن الله (ذلِكَ) أي ما صدر عنهم (قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي مجردا عن برهان وهو فارغ من معنى معتبر (يُضاهِؤُنَ) أي يشبهون في الشناعة (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي من قبلهم أي يشابه قول اليهود والنصارى قول المشركين : الملائكة بنات الله. وقول أهل مكة : اللات والعزى ومناة بنات الله. كما قالت اليهود : عزير ابن الله. وكذلك قال بعض النصارى : المسيح ابن الله ، وقال بعضهم : شريكه ، وقال بعضهم : هو الله ، وقال بعضهم : ثالث ثلاثة (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم بالإهلاك أو تعجب من شناعة قولهم : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٣٠) أي كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل حتى يجعلوا لله ولدا ، وهذا التعجب راجع إلى الخلق لأن الله تعالى لا يتعجب من شيء (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أي اتخذ اليهود علماءهم من ولد هارون ، واتخذ النصارى علماءهم من أصحاب الصوامع أربابا من دون الله بأن أطاعوهم في تحريم ما أحله الله تعالى وتحليل ما حرمه أو بالسجود لهم (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي اتخذه النصارى ربا معبودا بعد ما قالوا : إنه ابن الله (وَما أُمِرُوا) أي والحال أن هؤلاء الكفار ما أمروا في التوراة والإنجيل (إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) عظيم الشأن هو الله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) صفة ثانية لا لها (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣١) أي تنزه الله تعالى عن أن يكون له شريك في التكليف وفي كونه معبودا ومسجودا له وفي وجوب نهاية التعظيم والإجلال (يُرِيدُونَ) أي رؤساء اليهود والنصارى (أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) أي دلائل الله المنيرة الدالة على وحدانيته وتنزهه عن الشركاء والأولاد ، أي يريدون أن يردوا القرآن فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشركاء والأولاد ومن الشرائع من أمر الحل والحرمة (بِأَفْواهِهِمْ) أي بأقوالهم الباطلة (وَيَأْبَى اللهُ) أي لا يريد (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز دين الإسلام (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣٢) وجواب «لو» محذوف ، أي ولو كره الكافرون تمام نوره لأتمه ولم يبال بكراهتهم. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا صلىاللهعليهوسلم (بِالْهُدى) أي ملتبسا بالقرآن (وَدِينِ الْحَقِ) أي دين الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليعلي الله دين الإسلام على الأديان كلها وهو أن لا يعبد الله طلا به فإن المسلمين قد قهروا اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد حصل وكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا.
وروي عن أبي هريرة أنه قال : هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام غالبا على جميع الأديان ، وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام (وَلَو