بالكلية (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي إن الشأن قاربوا أن يزيلوك عن حكم القرآن (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي لتكذب علينا غير الذي أوحينا إليك (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣) أي لو اتبعت أهواءهم لكنت وليا لهم ولخرجت من ولايتي.
قال ابن عباس في رواية عطاء : قدم وفد ثقيف على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألوه شططا وقالوا : متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها ، فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك ولم يجبهم ، فكرروا ذلك الالتماس وقالوا : إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل : الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم وداخلهم الطمع ، فصاح عليهم عمر وقال : أما ترون رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤) أي لو لا تثبيتنا إياك على الحق بعصمتنا إياك لقاربت أن تميل إليهم شيئا يسيرا فيما طلبوك (إِذاً) لو قاربت الميل من قلبك (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) أي لصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة ، (ثُمَ) إذا أذقناك العذاب المضاعف (لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥) أي أحدا يخلصك من عذابنا (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) أي ليستزلونك (مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) (٧٦) أي وإذا لو أخرجوك لا يلبثون بعد إخراجك إلا زمانا قليلا حتى نهلكهم.
قال ابن عباس : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم فقالوا : يا أبا القاسم إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام وهي بلاد مقدسة وكانت مسكن إبراهيم ، فلو خرجت إلى الشام آمنا بك واتبعناك وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم ، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم فعسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أميال من المدينة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازما على الخروج إلى الشام لحرصه على دخول الناس في دين الله ، فنزلت هذه الآية ، فرجع ، ثم قتل منهم بني قريظة وأجلي بني النضير بعذر من قليل وعلى هذا فالآية مدنية. والمراد بالأرض : أرض المدينة ، وهذا قول الكلبي :
وقال قتادة ومجاهد : همّ المشركون أن يخرجوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة فكفهم الله تعالى عنه حتى أمره بالهجرة ، فخرج بنفسه ، فأهلكوا ببدر بعد هجرته صلىاللهعليهوسلم. وعلى هذا فالآية مكية والمراد بالأرض : أرض مكة. وهذا اختيار الزجاج.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة «خلفك» بفتح الخاء وسكون اللام. والباقون «خلافك» بكسر الخاء وفتح اللام مع المد (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) أي سننا سنته فيمن قد أرسلنا قبلك أي إن عادة الله أن يهلك كل قوم أخرجوا نبيهم من بينهم (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧) أي تغييرا أي إن ما