خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم من قبل الله تعالى وذلك هو حد الثواب (وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ) أي منافع خالصة عن المكدرات (مُقِيمٌ) (٢١) أي دائمة غير منقطعة (خالِدِينَ فِيها) أي الجنات (أَبَداً) أي لا يخرجون منها (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٢) لما وصف الله المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث ، وبدأ بالرحمة التي هي النجاة من النيران في مقابلة الإيمان وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة ترك الأوطان ، ثم ثلث بالجنات التي هي المنافع العظيمة في مقابلة الجهاد الذي فيه بذل الأنفس والأموال ، وإنّما خصوا بالأجر العظيم لأن إيمانهم أعظم الإيمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) أي بطانة تفشون إليهم أسراركم (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) أي اختاروه (عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) في الدين (فَأُولئِكَ) المتولون (هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) أي فهو مشرك مثلهم لأنه رضي بشركهم والرضا بالكفر كفر ، كما أن الرضا بالفسق فسق.
قيل : إن الله تعالى لما أمر المؤمنين بالتبري عن المشركين قالوا : كيف تمكن المقاطعة التامة بين الرجل وابنه وأمه وأخيه؟ فذكر الله تعالى أن الانقطاع عن الآباء والأولاد والإخوان واجب بسبب الكفر (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) أي أهلكم الأدنون الذين تعاشرونهم.
وقرأ أبو بكر عن عاصم «وعشيراتكم» بالجمع (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) أي اكتسبتموها (وَتِجارَةٌ) أي أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح (تَخْشَوْنَ كَسادَها) أي عدم رواجها (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) أي منازل تعجبكم الإقامة فيها (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) بالحب الاختياري (وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) أي طاعته (فَتَرَبَّصُوا) نزلت هذه الآية لما قال جماعة من المؤمنين : يا رسول الله كيف يمكن البراءة منهم بالكلية ، وإن هذه البراءة توجب انقطاعنا عن آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ، وذهاب تجارتنا ، وهلاك أموالنا ، وخراب ديارنا؟ فبين الله تعالى أنه يجب تحمل جميع هذه المضار الدنيوية ليبقى الدين سليما ، وذكر أنه إن كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية أولى من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله فتربصوا بما تحبون (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) وهي عقوبة عاجلة أو آجلة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢٤) أي الخارجين عن طاعته إلى معصيته (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) وهي مشاهد الحروب كوقعات بدر وقريظة ، والنضير والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) أي واذكروا يوم قتالكم هوازن في حنين. فهوازن قبيلة حليمة السعدية ، وحنين واد بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا ، وذلك لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة وقد بقيت أيام من شهر رمضان خرج في شوال في تلك السنة وهي سنة ثمان متوجها إلى حنين لقتال هوازن وثقيف (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ