من لا قديم له لا جديد له وأنّ أيّ أمّة تنكّرت لماضيها فليس لها حاضر ولا مستقبل ، ويكفينا ما حصل لأمّتنا الإسلامية عند ما تخلّت عن ذلك الماضي المشرق الذي بناه أسلافنا بجهودهم وتضحياتهم ، فصرنا نقتات على موائد غيرنا ونستورد أفكارهم.
إنّ التطوّر العلمي الهائل الذي وصلت إليه أوربّا إنّما كان بفضل علماء المسلمين ومفكّريهم ، فقد قام علماؤهم وكتّابهم بالاهتمام بآثارنا وتدوين تراثنا ، فالذي يراجع فهارس المكتبات العامّة في أوربّا يجد أسماء لامعة لشخصيّات شرقية من قبيل ابن سينا والكندي ونصير الدين الطوسي والفخر الرازي والعلاّمة الحلّي والغزالي وغيرهم.
ولم يكتف الأوربيّون بجمع مخطوطاتنا ، بل عملوا على تحقيق بعضها وطباعتها طباعة حديثة سهّلت على باحثيهم الاستزادة من أغنى وأغلى الأفكار الإنسانية.
إنّ الحضارة الإسلامية التي برزت إلى الوجود منذ أربعة عشر قرنا كانت حضارة العلم والعقل والتفكير ولم تكن حضارة الحروب. وإنّ تلك المدنيّة التي انتشرت في معظم أرجاء العالم ووصلت إلى أقصى الصين شرقا وأقصى أوربّا غربا لم تكن مدنيّة السيف والرمح أو السلاح النووي ، بل كانت مدنيّة القلم والقرطاس والكتاب والدرس والبحث عن الحقيقة.
لذا أرى لزاما علينا أن نعمل جاهدين على إحياء آثار أسلافنا والإشادة بفضلهم ، ونشر كتبهم وشرحها وتحليل مضامينها ؛ فإنّ الفضل في الحياة العقلية المعاصرة يعود إليهم.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم |
|
إذا جمعتنا يا جرير المجامع |
وكتاب « البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » هو لواحد من أولئك الأعلام ، الذين عاشوا في القرن الثالث عشر ، وهو المولى محمّد جعفر بن سيف الدين الأسترآبادي.
ويضمّ هذا الكتاب أربعة أجزاء ، والذي بين يدي القارئ العزيز هو الجزء الأوّل منه ، على أمل أن يتمّ إكمال تحقيق الأجزاء الباقية بعونه تعالى.
وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.