الثاني : أنّ المؤثّر التامّ إنّما يجب وجود أثره معه لو كان موجبا ، أمّا إذا كان مختارا فلا ؛ لأنّ المختار يرجّح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجّح ، فالعالم قبل وجوده كان ممكن الوجود وكذا بعد وجوده ، لكنّ المؤثّر المختار أراد إيجاده وقت وجوده دون ما قبله وما بعده لا لأمر يترجّح به الإيجاد على تركه حتّى لا يلزم كونه مستكملا بذلك الإيجاد المستلزم لحصول تلك الأولويّة ؛ لتجويز بعض المتكلّمين ـ وهم الأشاعرة (١) ـ ترجيح المختار لأحد مقدوريه بلا مرجّح يدعوه إليه ، كما في قدحي العطشان ورغيفي الجوعان وطريقي الهارب من السبع مع فرض المساواة من جميع الجهات بل المرجّح هو الإرادة.
الثالث : أنّه لم لا يجوز اختصاص بعض الأوقات بمصلحة تقتضي وجود العالم فيه دون ما قبل ذلك الوقت وبعده؟ فالمؤثّر التامّ وإن كان حاصلا في الأزل لكن لا يجب وجود العالم فيه تحصيلا لتلك المصلحة.
الرابع : أنّ الله تعالى علم بوجود العالم وقت وجوده ، وخلاف علمه محال ، فلم يمكن وجوده قبل وقت وجوده ، فتأمّل.
الخامس : أنّ الله تعالى أراد إيجاد العالم وقت وجوده ، والإرادة مخصّصة لذاتها.
السادس : أنّ العالم محدث ؛ لما تقدّم ، فيستحيل وجوده في الأزل ؛ لأنّ المحدث هو ما يسبقه العدم ، والأزل ما لم يسبقه العدم ، فالجمع بينهما محال.
ثمّ عارضوهم بالحادث اليومي ؛ فإنّه معلول إمّا لقديم فيستلزم قدمه ، أو لحادث فيتسلسل.
قال : ( والمادّة منتفية ).
أقول : هذا جواب عن الشبهة الثانية.
__________________
(١) « المحصّل » : ٣٩١ ـ ٣٩٨ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٣٧ وما بعدها ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٦٧ ـ ٧٠ ، و ٧ : ٢٣٠ ، و ٨ : ٥٤ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٣٧ ـ ٣٤٠.