والمشارب على وجه الجود ، من غير قطع موادّ الرزق وإن انقطعوا عن الطاعة ، فهو المحسن بهذه الصفة العامّة التي تكون خاصّة في الدنيا على المؤمنين والكافرين بل جميع المخلوقين بإعطاء ما به قوامهم ، كحفظ التركيب في الجمادات ، وذلك مع التنمية في النباتات ، وذلك مع الحسّ والحركة بالإرادة والأرزاق في الحيوانات ، وذلك مع إدراك المعقولات في الإنسان الذي هو أشرف الموجودات ، فإنّه أحسن كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.
والموصوف ـ كما زبر ـ بأنّه الرحيم المحسن في الآخرة بالصفة الخاصّة على المؤمنين بالغفران والنعيم الأبدي والجنان ، وإعطاء الحور والقصور والفواكه والمشارب والمآكل والطيور ، سيّما الرضوان.
ولا يخفى أنّ هذا المعنى إشارة إلى الأصول الخمسة التي هي رأس العقائد الدينيّة لانفتاح باب التوحيد من كمال الذات المنافي للإمكان وفقد الصفات وزيادتها ووجود الشريك المستلزم للاحتياج أو العجز ونحو ذلك ، وباب العدل من التنزّه عن النقائص المتحقّقة في الظلم وخلق العباد مجبورين أو نحو ذلك ، بل يمكن استفادة سائر أصول الدين من ذلك.
مضافا إلى اقتضاء « الرحمن » و « الرحيم » من جهة كون النبوّة والإمامة والمعاد من فروع اللطف الذي هو أحد أجزاء العدل ، مع أنّ تخصيص المؤمنين بالرحمة الأخرويّة الدالّة على المعاد ليس إلاّ من جهة القابلية الحاصلة من الطاعة الموقوفة على المعرفة الموقوفة على النبيّ والوصيّ.
ثمّ شرع لمثل ما مرّ في الحمد الذي هو عبارة عن الثناء باللسان على الجميل الاختياري كما هو المشهور ، أو الثناء على الجميل الاختياري ولو بغير اللسان ، ليدخل حمد الله ، كما هو المنصور ، أو إظهار صفات الكمال بالقول أو الفعل ليكون حمده تعالى لذاته حمدا على سبيل الحقيقة ؛ لكونه من أفضل أفراده ؛ لأنّه تعالى كشف عن صفات كماله ببسط بساط الوجود وموائد الجود على ممكنات لا تحصى