معرفته بوجه لا بنفي ولا إثبات ، إلاّ بما وصف به نفسه ، ولا يدرك أحد كنه صفته ، وإنّما يعرفه بما يعرّف له به ، ولم يتعرّف (١) لأحد بنحو ما عرفه من غيره ، وإلاّ لشابهه سبحانه ، فهو المعلوم والمجهول (٢) والموجود والمفقود (٣) ، فجهة (٤) معلوميّته نفس مجهوليّته ، ونفس مشهوديّته عين مفقوديّته ، فهو لا يعرف بغيره ، وغيره يعرف به (٥) ، فهو الواجب الحقّ والمجهول المطلق.
وهذا القسم يعبّر عنه بالذات البحت ، ومجهول النعت ، وشمس الأزل ، ومنقطع الإشارات ، والكنز المخفيّ ، والمنقطع الوجداني ، وكلّها عبارات مخلوقة تقع على مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كلّ مكان.
القسم الثاني : الوجود المطلق بمعنى أنّه غير مقيّد بشرط يتوقّف عليه ، لا أنّه صادق على الواجب والممكن. وهذا هو المشيئة التي خلقها الله (٦) بنفسها وأقامها بنفسها وأمسكها بظلّها ومادّتها ، كما أنّ أبانا آدم عليهالسلام أبوه مادّته وأمّه صورته ، أو بالعكس ، كما عليه الحكماء ، فليس له أب ولا أمّ غير مادّته وصورته.
القسم الثالث : الوجود المقيّد المعبّر عنه بأنّه وجود بشرط لا وبشرط شيء ، وهو الفعل باعتبار تعلّقه بالمفعول ، وهو الجعل الذي يستعمل كثيرا ما في إيجاد اللوازم
__________________
(١) أي لم يصف نفسه لأحد بمثل ما وصف غيره له ، فإنّه عرّف نفسه بأنّه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [ الشورى (٤٢) : ١١ ] وعرّف القرطاس ـ مثلا ـ بأنّه أبيض ... وصف نفسه بالبياض فشابه القرطاس في البياض ، فهو تعالى لم يصف نفسه بوصف ... من أوصاف الخلق ، كذا أفاده في الشرح. ( منه رحمهالله ).
(٢) أي مكتنهة ( منه رحمهالله ).
(٣) بذاته لمن طلب حقيقة ذاته. ( منه رحمهالله ).
(٤) لأنّك تعرفه بأنّه لا يوصف ولا يحاط به علما ، وليس كمثله شيء ، وهذه صفة توجب كونه تعالى مجهول الكنه ، وأنّك تشاهد آثاره ، ككلام من متكلّم خلف الجدار ، فمشاهدته بآثار صنعه حال غيبته ، فوجدانه عين فقدانه ، كذا أفاده في الشرح. ( منه رحمهالله ).
(٥) فإنّه يعرف بأنّه مصنوعه وأثر فعله. ( منه رحمهالله ).
(٦) لأنّها حركة إيجادية محدثة تتوقّف حداثتها على حركة إيجاديّة ، وهي حركة إيجاديّة ، فلا تحتاج لما بغير نفسها فهي شيء واحد. ( منه رحمهالله ).