بلا مرجّح والترجيح بلا مرجّح ـ فإن كان له وجود يكون بسبب غيره ، فما لم يعتبره العقل مع ذلك الشيء لم يحكم بوجوده ، وهو ممكن الوجود.
والحاصل : أنّ حكم العقل بموجوديّة شيء وانتزاع الوجود منه محتاج إلى المنشأ.
وذلك المنشأ إن كان ذات ذلك الشيء يسمّى واجب الوجود. وإن كان غيره يسمّى ممكن الوجود. فلا بدّ في حكم العقل بوجود الممكن من ملاحظة العلّة المعيّنة كما في البرهان اللمّيّ ، أو غير المعيّنة كما في الإنّيّ. فمعنى كون الوجود في الواجب عين ذاته أنّ ذاته منشأ لانتزاع الوجود لا أمر زائد عليها ، وأنّها عينه وعين سائر الصفات الحقيقيّة لا نائبها ، بمعنى أنّه يصدر منها بنفسها ما يصدر من الموصوف بالصفات بواسطتها ؛ لأنّه معطيها كمالا ، ومعطي الشيء لا يمكن أن يكون فاقدا له.
ومعنى عينيّتها أنّه يصدر عن ذاته ما يصدر عن صفات الممكن ، فكما أنّ علم الممكن منشأ لانكشاف الأشياء ، فكذا ذاته منشأ له ، وهكذا سائر الصفات.
ومعنى زيادة الوجود في الممكن أنّ ذاته ليس منشأ لانتزاعه ، بل هو أمر زائد عليه ، فالوجود العامّ ـ الذي هو مفهوم ذهني ـ زائد في جميع الأشياء حتّى الواجب ، ولكن قد يطلق الوجود على ما هو منشأ لانتزاعه ، وهو بهذا المعنى في الواجب عين ذاته ؛ لاستغنائه في انتزاع الوجود عمّا هو خارج عن ذاته ؛ مضافا إلى أنّ وجود الواجب لو كان غير حقيقته ، لكان جزءا منها أو خارجا عنها ، والأوّل يستلزم التركّب المنافي لوجوب الوجود ، والثاني يستلزم الاحتياج إلى المؤثّر المنافي له ؛ لامتناع تأثير المعدوم وتحصيل الحاصل ، فحقيقة الواجب هو الوجود المجهول بالكنه ، المعقول بالوجه من الآثار.
ومن هنا يظهر امتناع القوّة في الواجب ؛ لكونها عبارة عن العدم في الشيء القابل للوجود ، وقد بيّنّا أنّ الواجب عين الوجود ، وهو مناف للعدم.
ويظهر أيضا أنّه ليس محلاّ للحوادث ؛ لكونها مسبوقة بالعدم ، بل هو كامل من