مذهب الفريقين وإرجاعهما إلى مذهب واحد ، وأنّ المجتهد أخباري والأخباري مجتهد إلاّ أنّه لم يفلح في ردم الهوّة.
وكانت مدينة كربلاء بؤرة الصراع ، حيث كانت تضمّ لفيفا من جهابذة العلم ممّن يشار إليهم بالبنان كالشيخ المحقّق يوسف البحراني والآقا الوحيد البهبهاني والسيّد مهدي بحر العلوم والمولى محمّد مهدي النراقي صاحب كتاب « جامع السعادات » والسيّد عليّ الطباطبائي صاحب « الرياض » والسيّد محمّد الطباطبائي المعروف بـ « السيّد المجاهد » والشيخ شريف العلماء والشيخ محمّد حسين الأصفهاني صاحب « الفصول » وغيرهم.
وفي هذه المدينة المقدّسة اشتدّ الصراع بين المدرستين : الأخبارية والأصولية ، إلاّ أنّها اتّخذت طابع الحوار العلمي المفتوح بين أعلام تلك المدرسة ، فكان الوحيد البهبهاني في حوار دائم مع الشيخ البحراني الذي يعدّ من أقطاب العلم واستقطب الكثير من طلاب العلم ، ونهلوا من نمير علمه العذب.
وكان للشيخ يوسف البحراني دور كبير في الحفاظ على كيان الحوزة العلمية ، حيث سعى ـ ومن منطلق شرعي ـ إلى تخفيف حدّة الاتّجاه الأخباري وتقليص الفروق بين المدرستين وانتقاد ما ذهب إليه الأخباريون من التطرّف في التهجّم ونقد المدرسة الأصولية ، وخصوصا ما صدر عن الشيخ محمّد أمين الأسترآبادي من التشنيع على الأصوليّين (١).
وكانت الخلافات في هذه الفترة علميّة تصبّ في خدمة الدين وتهدف إلى إحقاق الحقّ ودحض الباطل ، وكان كلّ فريق يدور مدار الدليل العلمي ويكتب حسب ما يمليه عليه دليله.
ومن طريف ما ينقله الشيخ محمّد حسن شريعتمدار الأسترآبادي ـ ولد المصنّف ـ قصّة تدلّ على أنّ المصنّف رحمهالله كان لا يستعجل بإصدار الحكم على الآخرين بل كان يتريّث ويتأمّل ، فقد نقل ولده ما يلي :
« إنّ المرجع يومئذ هو السيّد محمّد الطباطبائي الملقّب بالمجاهد ، ولما أفتى بكفر الأحسائي وافقه وأيّده علماء كربلاء والنجف عامّة ، غير أنّ الشيخ محمّد جعفر شريعتمدار
__________________
(١) انظر : « الحدائق الناضرة » ١ : ١٦٧ ـ ١٧٠.