كان في مكّة يؤدّي فريضة الحجّ ، فقال الأحسائي : إنّ علماء هذه الديار فقهاء وأصوليّون وليست لهم خبرة في الحكمة والعلوم العقليّة وكلماتي ومؤلّفاتي لا يفهمها إلاّ الحكماء ، ورضي أن يحكم فيها الشيخ محمّد جعفر شريعتمدار ، واتّفق أن عاد شريعتمدار من مكّة فبعث له السيّد محمّد المجاهد « شرح الزيارة » وعدّة رسائل من مؤلّفات الأحسائي بيد رسول وطلب منه قراءتها وبيان رأيه فيها ، فقرأها بدقّة وتأمّل عباراتها وقال : إنّ هذه الكتب والرسائل متشابهة وقابلة للتأويل ويجب إطاعة أمر السيّد بحكم مقبولة عمر بن حنظلة ، ولكن من أجل التثبّت في الحكم والحكومة لا مندوحة من مذاكرة الأحسائي نفسه فيها لنرى هل أنّه يستحقّ التكفير أم لا؟
واتّفق أن التقى الأحسائي به في الحمّام فشكره على عدم تسرّعه في تكفيره كما فعل الآخرون ، ودخلا في نقاش فتجمهر الناس عليهما في الحمّام لسماع الحوار ، فسرد الأحسائي آراءه ومعتقداته كما سطّرها في مؤلّفاته ، وفهم منها شريعتمدار ما فهمه السيّد المجاهد وسائر علماء كربلاء والنجف وحكم مثلهم بتكفيره ، فوقعت في كربلاء وبلاد إيران كارثة لانتشار الخبر » (١).
وهكذا الحال بالنسبة إلى الشيخ يوسف البحراني صاحب « الحدائق الناضرة » عند ما سئل عن الصلاة خلف الشيخ محمّد باقر البهبهاني فصحّحها ، فقيل له : كيف تصحّح الصلاة خلف من لا يصحّحها بصلاتك؟ فقال : وأيّ غرابة في ذلك؟ إنّ واجبي الشرعي يحتّم عليّ أن أقول ما أعتقده وواجبه الشرعي يحتّم عليه ذلك ، وقد فعل كلّ منّا بتكليفه وواجبه ... ،
وهل يسقط عن العدالة لمجرّد أنّه لا يصحّح الصلاة خلفي (٢)؟!
إلاّ أنّ كلّ محاولات تهدئة الأوضاع لم يكتب لها النجاح ؛ نظرا لتسرّب الخلافات إلى عامّة الناس ، الأمر الذي أدّى إلى الاستهانة بالعلم والاستخفاف بالعلماء.
أمّا الوضع السياسي في عصر المصنّف رحمهالله فقد عاش مع بدايات حكم السلسلة القاجارية في إيران وتحديدا في عصر فتح علي شاه ، ثاني ملوك القاجار.
وشهدت هذه الحقبة الزمنيّة اضطرابات سياسية وعسكرية ، فقد حاول آقا محمّد خان
__________________
(١) « مظاهر الآثار » ١ : ١٠٦٤ ـ ١٠٦٥ نقلا عن الشيخية : ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٢) « تنقيح المقال » ٢ : ٨٥ ، الرقم ١٠٤٢٩.