طرد القوات الروسية الموجودة في إيران إلاّ أنّه لم يوفّق للسيطرة على كلّ البلاد ، فنرى خراسان ـ مثلا ـ موزّعة على مجموعة من القبائل المتناحرة فيما بينها ، يحكم كلّ ناحية منها حاكم ينتمي إلى قبيلة ما ، وهكذا الأمر في كردستان وبلوچستان. أمّا علاقة إيران بدول الجوار فقد سادها جوّ من الهدوء والاستقرار وخصوصا مع تركيا (١).
وكانت الدول الأوربية آنذاك قد ركّزت على إيران ؛ نظرا لموقعها الاستراتيجي ، حيث قام نابليون بونابرت بوضع خطّة ذكيّة ، حيث أرسل جيشا لينضمّ إلى القوات الفرنسية المتواجدة في قسطنطينية وآسيا الصغرى ، لينطلقوا من هناك مارّين بالأراضي الإيرانية ، وليشكّلوا قوّات مسلّحة في أصفهان للاستعداد للقيام بعمليات معادية لنفوذ شركة الهند الشرقية ، وقد أفلح نابليون في جعل إيران تدور في فلك السياسة الفرنسية.
أمّا الوضع التجاري فقد اقترحت فرنسا عام ١٨٠٧ م تعزيز العلاقات التجارية مع إيران ، كما حاول فتح علي شاه توطيد علاقته مع الإنجليز على أمل الحصول على مساعدات ، إلاّ أنّ تأخّر الإنجليز في دفع المساعدات والتهديد الجدّي الذي شكّلته روسيا على إيران دفعا بالشاه إلى إرسال ممثّل سياسي له إلى فرنسا لعقد اتّفاقيّات عسكرية مع فرنسا التي أرسلت هيئة عسكرية عالية لبناء الجيش الإيراني ، وكان الغرض هو الحدّ من النفوذ الروسي في المنطقة ، حيث كان يشكّل خطرا على المصالح الفرنسية.
إلاّ أنّ الأمور جرت بما لا يشتهي فتح علي شاه ، حيث قام نابليون بعقد اتّفاقية صلح مع الروس ؛ لأجل الحدّ من النفوذ البريطاني المتزايد ، الأمر الذي أدّى بفتح علي شاه أن يتّجه صوب بريطانيا ويقيم العلاقات مع الملك جورج الثالث (٢).
وكلّ هذه الأوضاع تعدّ مؤشّرا واضحا على عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي آنذاك ؛ وذلك لكثرة الصراعات الداخلية ، وتعدّد مراكز القوى ، وعدم وجود سياسة واضحة عند القاجاريّين في علاقاتهم مع الدول الأوربية ، وعكوف بعض حكّامهم على جمع المال ، حتّى شبّه بعضهم فتح علي شاه بالمستعصم بالله ، الذي هو آخر خلفاء بني العبّاس الذي قتل
__________________
(١) انظر : « تاريخ تحوّلات سياسى وروابط خارجى ايران » ١ : ٨ وما بعدها.
(٢) انظر : « تاريخ إيران » ٢ : ٤٥٣ وما بعدها. وقد نقلت النصّ من اللغة الفارسية إلى العربية.