قوله : «أن كنتم» قرأ نافع والأخوان بالكسر ، على أنها (١) شرطية. وإسرافهم كان متحقّقا و «إن» إنما تدخل على غير المتحقّق أو المتحقق المبهم الزمان.
وأجاب الزمخشري : أنه من الشرط الذي يصدر عن المدلي (٢) بصحة الأمر والتحقيق لثبوته كقول الأجير : «إن كنت عملت لك عملا فوفّني حقّي» ، وهو عالم بذلك ، ولكنه تخيل في كلامه أن تفريطك في إيصال حقي (٣) فعل من له شك في استحقاقه إيّاه تجهيلا لهم (٤).
وقيل : المعنى على المجازاة ، والمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحا متى أسرفتم ، أي إنكم غير متروكين من الإنذار متى كنتم قوما مسرفين (٥). وهذا أراد أبو البقاء بقوله : وقرىء : إن بكسرها على الشرط وما تقدم يدل على الجواب (٦) ، والباقون بالفتح على العلة ، أي لأن كنتم كقوله :
٤٣٩٠ ـ أتجزع أن بان الخليط المودّع |
|
......... (٧) |
ومثله قوله :
٤٣٩١ ـ أتجزع أن أذنا قتيبة جزّتا |
|
......... (٨) |
__________________
(١) ذكره مكي في الكشف ٢ / ٢٥٥ وهي سبعية وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٧٨.
(٢) في الكشاف : عن المدلّ بصحة الأمر المتحقق لثبوته.
(٣) وفيه : ان تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له.
وانظر الكشاف ٣ / ٤٧٨.
(٤) واللفظ لشهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٧٧٣ نقلا بالمعنى عن الزمخشري.
(٥) المرجع السابق.
(٦) التبيان ١١٣٧ وقد قرأ بالكسر أيضا مع نافع وحمزة الكسائي والأعمش ، وانظر الكشف لمكي ٢ / ١٥٥. ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢٧ والإتحاف ٣٨٤ ، والسبعة ٥٨٤.
(٧) صدر بيت من الطويل ، ولم أعرف قائله وعجزه :
............. |
|
وحبل الصّفا من عزّة المتقطّع |
والخليط : القوم الذين أمرهم واحد ، والشاهد : ورود البيت بكسر الهمزة وفتحها فالفتح على تقدير حرف العلة ، أي لأن ، والكسر على الشرط وتقدير الفتح : أتجزع لبين الخليط ، وقد أوضح الزمخشري قبل كسر الهمزة على الشرطية وانظر معاني الفراء ٢ / ١٣٤ و ٣ / ٢٨ ، والخزانة ٩ / ٨٠ والدر المصون ٤ / ٧٧٣.
(٨) من الطويل كسابقه وهو للفرزدق في هجاء جرير ، ومدح سليمان بن عبد عبد الملك وعجزه :
.......... |
|
جهارا ولم تجزع لقتل ابن خازم |
وقتيبة هو ابن مسلم الباهلي القائد المشهور ، وابن خازم أمير خراسان ، وحزّتا : قطعتا. ويروى البيت أتغضب بدل : أتجزع ، والمعنى واحد وشاهده كسابقه ورود البيت بالكسر والفتح ، فالفتح على تقدير حرف الجر وهو لام العلة والكسر على الشرط كما أجاب عن ذلك الزمخشري والكسر فيه وفي البيت قبله وارد كورود الفتح ، وهنا في البيت يقدر فعل دل عليه حزّ ، كقوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ـ