قوله : سواء محياهم ومماتهم داخل في الحسبة المنكرة السيئة ، وهذا احتمال حسن ، والأول جيّد انتهى (١). ولم يبين كيفية دخوله في الحسبان وكيفية أحد الوجهين الأخيرين إما البدل وإما الحالية كما عرفته. وقرأ الأعمش «سواء» نصبا محياهم ومماتهم (٢).
بالنصب أيضا ، فأما سواء فمفعول ثان ، أو حال كما تقدم. وأما نصب محياهم ومماتهم ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكونا ظرفي زمان ، وانتصبا على البدل من مفعول (نجعلهم) بدل اشتمال ويكون سواء على هذا هو المفعول الثاني ، والتقدير : أن نجعل محياهم ومماتهم (سواء (٣)).
والثاني : أن ينتصبا على الظرف الزماني ، والعامل إما الجعل أو سواء. والتقدير أن نجعلهم في هذين الوقتين سواء أو نجعلهم مستويين في هذين الوقتين (٤).
قال الزمخشري مقررا لهذه الوجه : ومن قرأ بالنصب جعل (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) ظرفين كمقدم الحاجّ وخفوق النّجم (٥). قال أبو حيان : وتمثيله بخفوق النجم ليس بجيد ، لأن خفوق مصدر ليس على مفعل فهو في الحقيقة على حذف مضاف أي وقت خفوق (النّجم) بخلاف (محيا) و (ممات) و (مقدم) فإنها موضوعة على الاشتراك بين ثلاثة معان المصدرية والزمانية والمكانية فإذا استعملت مصدرا كان ذلك بطريق الوضع ، لا على حذف مضاف كخفوق ، فإنه لا بد من حذف مضاف ، لكونه موضوعا للمصدرية (٦) وهذا أمر قريب ، لأنه إنما أراد أنه وقع هذا اللفظ مرادا به الزمان. أما كونه بطريق الأصالة أو الفرعية فلا يضر ذلك. والضمير في (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) يجوز أن يعود على القبيلين بمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء عند الله في الكرامة ، ومحيا المجترحين ومماتهم سواء في الإهانة عنده (٧). فلفّ الكلام اتكالا على ذهن السامع وفهمه. ويجوز
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٤٧ والدر المصون ٤ / ٨٣٧.
(٢) من القراءات الشاذة غير المتواترة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٣٨.
(٣) قال بذلك أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٤٧ و ٤٨ ونقله عنه أيضا السمين في الدر ٤ / ٨٣٧. هذا وقد سقطت كلمة سواء من ب.
(٤) قاله الزجاج والفراء في معاني القرآن. قال الزجاج في ٤ / ٤٣٣ : «ومن نصب محياهم ومماتهم ، فهو عند قوم من النحويين سواء في محياهم وفي مماتهم ويذهب به مذهب الأوقات». ويقول الفراء : «ولو نصبت المحيا والممات ، كان وجها ، تريد أن تجعلهم سواء في محياهم ومماتهم». معاني القرآن له ٣ / ٤٧. وقد ذكره أيضا الإمام أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن ٤ / ١٤٦.
(٥) الكشاف ٣ / ٥١٢.
(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٨ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨٣٨.
(٧) اللف والنشر معروف في البلاغة وبخاصة في علم البديع وهو أن نلف شيئين ، ثم نأتي بتفسيرهما ثقة بأن السامع يرد إلى كل واحد منهما ما له كقول الحق جلال وعلا : «ومن رحمته جعل لكم اللّيل ـ