المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام (١) ، قال المفسرون : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) أي قضينا لك قضاء بيّنا (٢).
قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) متعلق «بفتحنا» وهي لام العلة. وقال الزّمخشريّ :
فإن قلت: كيف جعل فتح مكة علّة للمغفرة؟
قلت : لم تجعل علة للمغفرة ولكن لما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة ، وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز كأنه قال : يسّرنا لك فتح مكة ، ونصرناك على عدوك ليجمع لك بين عزّ الدّارين ، وإعراض العاجل والآجل. ويجوز أن (يكون) (٣) فتح مكة من حيث إنّه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب (٤). وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية ، فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلّل بها فكان ينبغي أن يقول : كيف جعل فتح مكة معلّلا بالمغفرة؟ ثم يقول : لم يجعل معلّلا؟
وقال ابن الخطيب في جواب هذا السؤال وجهين آخرين ؛ فقال بعد أن حكى الأول وقال: إنّ اجتماع الأربعة لم يثبت إلّا بالفتح فإنّ النعمة به تمّت ، والنّصرة به عمّت : الثاني : أن فتح مكة كان سببا لتطهير بيت الله من رجز الأوثان وتطهير بيته صار سببا لتطهير عبده. الثالث : أن الفتح سبب الحجج ، وبالحجّ (٥) تحصل المغفرة كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحج «اللهمّ اجعله حجّا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا». الرابع : المراد منه التعريف تقديره : إنّا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم (٦). وقال ابن عطية : المراد هنا أن الله فتح لك لكي (٧) يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام صيرورة (٨). وهذا كلام ماش على الظاهر ، وقال بعضهم : إنّ هذه اللام لام القسم (٩) والأصل : ليغفرنّ فكسرت اللام تشبيها بلام «كي» ، وحذفت النون. وردّ هذا بأن اللام لا تكسر ، وبأنها لا تنصب المضارع (١٠).
__________________
(١) بالمعنى من القرطبي المرجع السابق.
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٩.
(٣) كذا في الزمخشري وقد سقطت من ب.
(٤) وانظر الكشاف ٣ / ٥٤١.
(٥) في ب وبالحجج جمع حجّة.
(٦) بالمعنى من تفسير الإمام الرازي ٢٨ / ٧٨.
(٧) في ب لكن تحريف.
(٨) البحر المحيط ٨ / ٩٠ وهي ما تسمى بلام العاقبة وهذه اللام أنكرها البصريون ومن تابعهم كالزمخشري الذي قال : إنها لام العلة وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة. انظر المغني ٢١٤ بتصرف.
(٩) نقل القرطبي في الجامع أنه أبو حاتم السجستانيّ.
(١٠) ولو جاز هذا لجاز : ليقوم زيد بتأويل : ليقومنّ زيد. وانظر السابق والبحر المحيط ٨ / ٩٠ أقول : وهذا مما لم يحفظ في لسانهم.