يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٤)
قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) قال ابن عباس ومجاهد : يعني أعراب غفار ، ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب ، والبوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلّوا (١) بالشغل لظنهم أنه يهزم ، فأنزل الله هذه الآية (٢).
قوله : «شغلتنا» حكى الكسائي عن ابن مدح (٣) أنه قرأ : شغّلتنا بالتشديد (أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) يعني النساء والذّراري أن لم يكن لنا من يخلفنا فيهم (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) تخلّفنا عنك. فكذبهم الله في اعتذارهم فقال : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) من الأمر بالاستغفار فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي أو لا. (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) قرأ الأخوان ضرّا ـ بضم الضاد (٤) ـ والباقون بفتحها. فقيل : هما لغتان بمعنى كالفقر والفقر والضّعف والضّعف ، وقيل : بالفتح (٥) ضدّ النفع ، وبالضم سوء الحال فمن فتح قال : لأنه قابله بالنفع ، والنفع ضد الضر (٦) ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يدفع عنهم الضر ، ويجعل لهم النفع بالسلامة في أموالهم وأنفسهم فأخبرهم أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر واحد على دفعه بل كان الله بما تعملون خبيرا أي بما تعلنون من إظهار أمر وإضمار غيره (٧).
قوله : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) أي ظننتم أن العدو يستأصلهم ولا يرجعون. قرأ عبد الله : إلى أهلهم (٨) دون ياء ، بل أضاف الأهل مفردا (٩).
__________________
(١) فعلوا علة وحجة.
(٢) ذكره القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٦٨.
(٣) كذا في النسختين وهو خطأ من الناسخ والصواب : ابن نوح كما في البحر المحيط : إبراهيم بن نوح بن باذان عن قتيبة. انظر البحر ٨ / ٩٣ وفي المختصر : شغلتنا أموالنا بالتشديد حكاه الكسائي انظر المختصر ١٤١ وهي شاذة غير متواترة وذكرها أيضا دون نسبة صاحب الكشاف ٣ / ٥٤٣.
(٤) قال القرطبي : هنا فقط أي في تلك السورة انظر القرطبي ١٦ / ٢٦٨ ولم ترو عن غير الأخوين في المتواتر. وانظر البحر ٨ / ٩٣ والسبعة ٦٠٤.
(٥) وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم.
(٦) انظر القرطبي بالمعنى فقد نقل رأي كل من أبي عبيد وأبي حاتم.
(٧) بالمعنى من الرازي ٢٨ / ٨٨.
(٨) البحر المحيط ٨ / ٩٣٠ ودون نسبة في الكشاف ٣ / ٥٤٤.
(٩) فتكون حينئذ خارجة عن نطاق الملحق بجمع المذكر السالم وتكون جمع تكسير أو اسم جمع أضيف إلى الضمير.