قوله : (لِيُدْخِلَ اللهُ) متعلق بمقدر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب ليدخل الله (١). وقال البغوي : اللام في ليدخل متعلق بمحذوف دلّ عليه معنى الكلام يعني ليدخل الله في رحمته أي في دين الإسلام من يشاء من أهل مكة بعد الصلح قبل أن يدخلوها(٢).
قوله : (لَوْ تَزَيَّلُوا) قرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون (٣) تزايلوا (٤) على تفاعلوا. والضمير في تزايلوا يجوز أن يعود على المؤمنين فقط ، أو على الكافرين ، أو على الفريقين. والمعنى لو تميّز هؤلاء من هؤلاء لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما بالسّبي والقتل بأيديكم.
قوله (تعالى) (٥) : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) العامل في «إذ» إما «لعذّبنا» أو «صدّوكم» أو «اذكر» فيكون مفعولا به (٦). قال ابن الخطيب في إذ : يحتمل أن يكون ظرفا ، فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملا له ، ويحتمل أن يكون مفعولا به ، فإن قلنا : إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يكون مذكورا ويحتمل أن يكون غير مذكور ، فإن كان مذكورا ففيه وجهان :
أحدهما : هو قوله تعالى : (وَصَدُّوكُمْ) أي وصدوكم حين جعلوا في قلوبهم (٧) الحميّة فلا يرجعون إلى الإسلام.
وثانيهما : المؤمنون لما أنزل الله عليهم سكينته لا يتركون الاجتهاد في الجهاد والله مع المؤمنين (٨).
فإن قلنا : إنه غير مذكور ففيه وجهان :
أحدهما : حفظ الله المؤمنين عن أن يطئوهم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية.
وثانيهما : أحسن الله إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية. وعلى هذا فقوله : (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ) تفسير لذلك الإحسان. وإن قلنا : إنه مفعول به فتقديره اذكر ذلك
__________________
(١) قاله أبو حيان في البحر ٨ / ٩٩.
(٢) معالم التنزيل ٦ / ٢١٢.
(٣) مع ابن مقسم.
(٤) وهي شاذة غير متواترة. انظر البحر ٨ / ٩٩ والكشاف ٣ / ٥٤٨.
(٥) زيادة من أ.
(٦) قاله أبو حيان في بحره ٨ / ٩٩.
(٧) في ب قلوبكم. تحريف.
(٨) الواقع أن قبل هذا كلام قد نسيه الناسخ والله أعلم فقد قال الرازي :
وثانيها : قوله تعالى : (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم الحمية حميّة الجاهلية ثم يقول : والثاني أقرب لقربه لفظا وشدة مناسبته معنى ، لأنهم إذا جعلوا في قلوبهم الحمية لا يرجعون إلى الاستسلام والانقياد. والمؤمنون إلخ. انظر الرازي ٢٨ / ١٠١ و ١٠٢.