قوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) تقديره : في تمام أربعة أيام باليومين المتقدمين. قال الزجاج : في تتمّة أربعة أيام (١) ، يريد بالتتمة اليومين. وقال الزمخشري : في أربعة أيام فلذلك (٢) المدة خلق الله الأرض وما فيها كأنه قال : كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. قال شهاب الدين : وهذا كقولك : بنيت بيتي في يوم وأكملته في يومين أي بالأول (٣). وقال أبو البقاء : أي في تمام أربعة أيام ، ولولا هذا التقدير لكانت الأيام ثمانية يومان في الأول ، وهو قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ويومان في الآخر وهو قوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وأربعة في الوسط وهو قوله (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)(٤).
فإن قيل : إنه تعالى لما ذكر خلق الأرض في يومين ، فلو ذكر أنه خلق هذه الأنواع الثلاثة الباقية في يومين آخرين كان أبعد عن الشّبهة وعن الغلط فلم ترك التصريح وذكر الكلام المجمل؟
فالجواب : أن قوله (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) فيه فائدة زائدة على ما إذا قال : خلقت هذه الثلاثة في يومين ؛ لأنه لو قال : خلقت هذه الأشياء في يومين لم يفد هذا الكلام كون اليومين مستغرقين بتلك الأعمال ؛ لأنه قد يقال : عملت هذا العمل في يومين مع أن اليومين ما كانا مستغرقين بذلك العمل ، أمّا لما ذكر خلق الأرض ، وخلق هذه الأشياء ثم قال : في أربعة أيام سواء دلّ على أن هذه الأيام الأربعة صارت مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ولا نقصان (٥).
قوله : «سواء» العامة على النصب ، وفيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي استوت قاله مكي (٦) وأبو البقاء(٧).
الثاني : أنه حال من «ها» في أقواتها ، أو من «ها» في «فيها» العائدة على الأرض أو من الأرض قاله أبو البقاء (٨) وفيه نظر لأن المعنى إنما هو وصف الأيام بأنها سواء ، لا وصف الأرض بذلك وعلى هذا جاء التفسير (٩).
ويدل على ذلك قراءة سواء ـ بالجر ـ صفة للمضاف ، أو المضاف إليه ، وقال قتادة والسّدي سواء معناها سواء لمن سأل عن الأمر ، واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده كما قال تعالى. إلا أن ابن زيد وجماعة قالوا شيئا يقرب من المعنى الذي
__________________
(١) قاله في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨١.
(٢) في الكشاف فذلكة وكذا نقل عنه صاحب الدر المصون ٤ / ٧١٩ وكذلك البحر المحيط ٧ / ٤٨٥.
(٣) الدر المصون ٤ / ٧١٩.
(٤) التبيان ١١٢٣.
(٥) الرازي ٢٧ / ١٠٣.
(٦) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٠.
(٧ و ٨) التبيان ١١٢٤.
(٩) نقله السمين في إعرابه ٤ / ٧١٩.