النحس مقابلة السعد ، والهواء الكدر يقابله (١) الصافي. وأيضا فإنه تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات ، فوجب أن (٢) كون تلك الأيام نحسة مغايرا لذلك العذاب الذي وقع فيها.
قوله : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي عذاب الهوان والذل مقابل لذلك الاستكبار (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أشد إهانة (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي لا يكون لهم ناصر يدفع عنهم ذلك الخزي (٣).
قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ) الجمهور على رفعه ، ممنوع الصرف. والأعمش وابن وثّاب مصروفا (٤) ، وكذلك كل ما في القرآن (٥) إلا قوله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) [الإسراء : ٥٩] ، قالوا لأن الرسم ثمود بغير ألف. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والأعمش ـ في رواية ـ ثمودا منصوبا مصروفا (٦). والحسن وابن هرمز وعاصم أيضا منصوبا غير منصرف (٧).
فأما الصرف وعدمه فقد تقدم توجيههما في «هود» (٨). وأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر ، وهو متعيّن عند الجمهور (٩) لأن «أمّا» لا يليها إلا المبتدأ ، فلا يجوز فيما بعدها الاشتغال إلا في قليل كهذه القراءة (١٠) ، وإذا قدرت الفعل الناصب فقدّره بعد
__________________
(١) في ب مقابلة.
(٢) في الرازي فوجب أن يكون كون تلك الأيام نحسة مغايرا لذلك العذاب .. الخ وانظر الرازي المرجع السابق.
(٣) قاله الرازي بتغيير طفيف في العبارة في تفسيره ٢٧ / ١١٣.
(٤) من القراءات الأربع فوق العشر المتواترة ذكرها صاحب الإتحاف ٣٨٠ وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٣ / ١٤ ، ومختصر ابن خالويه ١٣٣ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٩١ ، والكشاف ٣ / ٤٤٩ وبدون نسبة الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٣ وهي من الشواذ.
(٥) من لفظ ثمود.
(٦) لم تعز في الكشاف ٣ / ٤٤٩ ونسبها أبو حيان في البحر ٧ / ٤٩١ إلى عاصم وما هو أعلى موافق لما في الدر المصون ٤ / ٨٢٨.
(٧) ذكرها في الشواذ ابن خالويه في المختصر ١٣٣ بالإضافة إلى الكشاف المرجع السابق ولم أجدها في المتواتر عن عاصم.
(٨) عند الآية ٦٨ منها : «أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ» وكذلك الآيات ٦١ و ٩٥ منها أيضا ومفاد ما ذكر : أن هود لا يجوز صرفه لأنه مطلق على قبيلة فيكون ممنوعا للعلمية والتأنيث ، ويجوز أن يصرف لأنه على ثلاثة أحرف علم أعجمي أوسطه ساكن كنوح.
(٩) قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٣ : والاختيار رفع ثمود على الابتداء والخبر ، وهذا مذهب جميع النحويين اختيار الرفع ، وكلهم يجيز النصب وقال الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٩ : «والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء» بينما قال سيبويه في الكتاب : «لأن أما وإذا من حروف الابتداء ، يصرفان الكلام إلى الابتداء» الكتاب ١ / ٩٥. ففهم من كلام سيبويه تعيين رفع ما بعد «أما» بخلاف قولي الزجاج والزمخشري السابقين.
(١٠) وهو الموافق أيضا لما في الكتاب قال : إلا أن يوقع بعدها فعل ، نحو : «أمّا زيدا فضربت» الكتاب المرجع السابق ، وكهذه الآية التي معنا.