جهل يحصل فيه لا باختياره وهو المطلوب (١).
قول : (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وصاعقة العذاب أي المهلكة والعذاب الهون أي ذي الهون ، أي الهوان وهو الذي يهينهم (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من شركهم وتكذيبهم صالحا.
ثم قال : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يعني يتقون الأعمال التي كانوا يأتون بها عاد وثمود.
فإن قيل : كيف يجوز للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد صرح الله تعالى بذلك في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] وجاء في الحديث الصحيح أن الله رفع عن هذه الأمة أنواع العذاب؟!.
فالجواب : أنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة وأن السبب الموجب للعذاب واحد ربما يكون العذاب النازل بهم من جنس ذلك وإن كان أقل درجة ، وهذا القدر يكفي في التخويف (٢).
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) الآية لما بين كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه ببيان كيفية عقوبتهم في الآخرة ليحصل تمام الاعتبار في الزجر والتحذير ، فقال (وَيَوْمَ يُحْشَرُ). في العامل في هذا الظرف وجهان :
أحدهما : محذوف دل عليه ما بعده من قوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ) تقديره : يساق (٣) الناس يوم يحشر (٤) وقدره أبو البقاء يمنعون يوم يحشر (٥).
الثاني : أنه منصوب باذكر ، أي اذكر يوم (٦). وقرأ نافع «نحشر» بنون العظمة وضم الشين «أعداء» نصبا أي نحشر نحن ، والباقون بياء الغيبة مضمومة والشين مفتوحة على ما لم يسم فاعله و «أعداء» رفعا لقيامه مقام الفاعل (٧).
ووجه الأول أنه معطوف على «ونجّينا» فيحسن أن يكون على وفقه في اللفظ (يقويه) (٨) وقوله (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) [مريم : ٨٥] ، (وَحَشَرْناهُمْ) [الكهف : ٤٧].
وحجة الثانية : أن قصة ثمود قد تمت وقوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ) ابتداء كلام آخر وأيضا
__________________
(١) انظر الرازي ٢٧ / ١١٣ و ١١٤.
(٢) الرازي المرجع السابق.
(٣) في ب ليساق.
(٤) بتوضيح لكلام أبي البقاء من الدر المصون للسمين ٤ / ٧٢٨.
(٥) انظر التبيان له ١١٢٥.
(٦) السمين السابق.
(٧) من القراءة المتواترة ، ذكرها صاحب الإتحاف ٣٨١ وصاحب السبعة ٥٧٦ وصاحب النشر ٢ / ٣٦٦ وابن خالويه في الحجة ٣١٧ وانظر الكشف لمكي ٢ / ٢٤٨.
(٨) ما بين القوسين زيادة من الرازي ولاستقامة الكلام فهي ساقطة من النسختين.