والثالث : أنه مصدر مؤكد (١) ، وفيه نظر ، لأن المصدر «نزل» النزول لا النزل. وقيل : هو مصدر أنزل (٢).
قوله : (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) يجوز أن يكون تعلقه بمحذوف على أنه (٣) صفة «لنزلا» وأن يتعلق بتدّعون (٤) أي تطلبونه من جهة غفور رحيم ، وأن يتعلق (٥) بما تعلق به الظرف في «لكم» من الاستقرار أي استقر لكم من جهة غفور رحيم.
قال أبو البقاء : فيكون حالا من ما (٦). قال شهاب الدين : وهذا البناء منه ليس بواضح بل هو متعلق بالاستقرار فضلة كسائر الفضلات ، وليس حالا من «ما» (٧).
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ ...) الآية قال ابن سيرين والسّدّيّ : هو رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحا في إجابته وقال إنّني من المسلمين. وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ إن هذه الآية نزلت في المؤذّنين. وقال عكرمة : هو المؤذن. وقال أبو أمامة الباهليّ : وعمل صالحا : ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال قيس بن أبي حازم : هو الصلاة بين الأذان والإقامة (٨).
قوله : (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) العامة على إنني بنونين. وابن أبي عبلة وابن نوح (٩) بنون واحدة. قوله تعالى : (وَلَا السَّيِّئَةُ) في «لا» هذه وجهان :
أحدهما : أنها زائدة للتوكيد ، كقوله : (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) [فاطر : ٢١] وكقوله: (وَلَا الْمُسِيءُ) [غافر : ٥٨] ، لأن استوى لا يكتفي بواحد.
والثاني : أنها مؤسسة غير مؤكّدة (١٠) ؛ إذ المراد بالحسنة والسيئة الجنس ، أي لا تستوي الحسنات في أنفسها فإنها متفاوتة ، ولا تستوي السيئات أيضا ، فربّ واحدة أعظم من أخرى ، وهو مأخوذ من كلام الزمخشري (١١) ، وقال أبو حيان : «إن أخذت الحسنة والسيئة جنسا لم يكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا» (١٢). قال شهاب الدين : «فقد جعلها في المعنى الثاني زائدة ، وفيه نظر لما تقدم» (١٣).
__________________
(١) البيان المرجع السابق.
(٢) حكاه أبو حيان ولم ينسبه البحر المحيط ٧ / ٤٩٧.
(٣) البيان ٢ / ٣٤٠.
(٤ و ٥ و ٦) التبيان ١١٢٧.
(٧) الدر المصون : ٤ / ٧٣٣.
(٨) هذه الأقوال ذكرها القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٦٠ والبغوي في معالم التنزيل ٦ / ١١١.
(٩) هو إبراهيم بن أحمد بن نوح الأصبهاني الفقيه روى القراءة عن أبي خالد النزندولانيّ عن قتيبة وروى عنه ابن شنبوذ. انظر غاية النهاية ١ / ٩ ، وهذه القراءة شاذة انظر البحر ٧ / ٤٩٧.
(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٩٨ والكشاف ٣ / ٤٥٤ وقد قال بالوجهين أيضا الأخفش في معانيه ٢ / ٦٨٤ وقال بوجه الزيادة فقط الزجاج في معانيه أيضا ٤ / ٣٨٦.
(١١) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٥٤ و ٤٥٥.
(١٢) البحر المحيط ٧ / ٤٩٨.
(١٣) الدر المصون ٤ / ٧٣٤.