وقوله : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) فيه سؤال (١) وهو أن يقال : ما الفائدة في قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) مع أن الاشتغال بالتسبيح والتحميد لا يمكن إلا بعد سبق الإيمان بالله؟
وأجاب الزمخشري : بأن المقصود منه التنبيه على أن الله تعالى لو كان حاضرا لكان حملة العرش والحافون بالعرش يشاهدونه ويعاينونه ، ولو كان كذلك لما كان إيمانهم بوجود الله موجبا للمدح والثناء لأن الإقرار بوجود شيء مشاهد معاين لا يوجب المدح والثناء ، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس وبكونها مضيئة لا يوجب المدح والثناء؟ فلما ذكر الله سبحانه وتعالى إيمانهم بالله على سبيل المدح والثناء والتعظيم دل على أنهم إنما آمنوا به مع أنهم ما شاهدوه حاضرا جالسا هناك.
قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) اعلم أن كمال السعادة بأمرين :
أحدهما : التعظيم لأمر الله.
والثاني : الشفقة على خلق الله ، ويجب أن يكون التعظيم لأمر الله مقدما على الشفقة على خلق الله ، فقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) مشعر بالتعظيم لأمر الله ، وقوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) مشعر بالشفقة على خلق الله ، واحتج كثير من العلماء بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر ؛ لأنها دلت على أن الملائكة لما فرغوا من ذكر الله تعالى بالثناء والتقدير اشتغلوا بالاستغفار لغيرهم وهم المؤمنون وهذا يدل على أنهم مستغنون بأنفسهم ؛ إذ لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار لاستغفروا لأنفسهم أولا ، لقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ابدأ بنفسك» (٢) ولقوله تعالى لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩] وقال (٣) عن نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [نوح : ٢٨] وهذا يدل على أن من كان محتاجا إلى الاستغفار (فإنه يقدم الاستغفار (٤) لنفسه على الاستغفار لغيره والملائكة لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار) لاستغفروا لأنفسهم أولا ثم استغفروا لغيرهم ، ولما لم يذكر الله تعالى استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم لم يكونوا محتاجين إلى الاستغفار ، وأما الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فهم كانوا محتاجين إلى الاستغفار لقوله تعالى لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ (وَاسْتَغْفِرْ (٥) لِذَنْبِكَ) فظهر أن الملك أفضل من البشر والله أعلم (٥).
قوله «ربّنا» معمول لقول مضمر تقديره يقولون ربنا ، والقول المضمر في محل
__________________
(١) نقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ٣٢ ، ٣٣ عن الزمخشري في الكشّاف ٣ / ٤١٥ ، ٤١٦.
(٢) الحديث ذكره وأخرجه مسلم في صحيحه باب الزكاة ٤١ والرازي ٢٧ / ٣٣.
(٣) في ب والرازي : وحكى عن نوح.
(٤) ما بين القوسين كله سقط من نسخة ب بسبب انتقال النظر.
(٥) انظر في هذا تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٣٣.