لدين ضلالتهم لهم كما قال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ).
قال المفسرون : يعني كفار مكة أي (أ) (١) لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٢) ـ شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام (٣).
قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) أي لولا القضاء السابق بتأخير الجزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين الكافرين والمؤمنين ، أو بين المشركين وشركائهم (٤).
قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) العامة بكسر «إن» على الاستئناف ومسلم بن جنوب (٥) والأعرج بفتحها (٦) عطفا على كلمة الفصل. وفصل بين المتعاطفين بجواب «لولا» ، تقديره : ولولا كلمة واستقرار الظالمين في العذاب لقضي بينهم في الدنيا (٧). وهو نظير قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩]. ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب. أما الأول فهو قوله : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ) أي ترى المشركين يوم القيامة خائفين وجلين (مِمَّا كَسَبُوا) من السيئات ، (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي جزاء كسبهم واقع سواء أشفقوا أو لم يشفقوا.
وأما الثاني ـ وهو أحوال أهل الثواب ـ فهو قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) قال أبو حيان : اللغة الكثيرة تسكين واو «روضات» ، ولغة هذيل (٨) فتح الواو إجراء لها مجرى (٩) الصحيح نحو : جفنات (١٠). ولم يقرأ أحد فيما علمناه بلغتهم (١١). قال شهاب الدين : إن عنى لم يقرأ أحد بلغتهم في هذا الباب من حيث هو فليس كذلك ؛ لما تقدم في سورة النور أن الأعمش قرأ : «ثلاث عورات» ـ بفتح الواو ـ وإن عنى أنه لم يقرأ في روضات بخصوصها فقريب ، لكن ليس هو ظاهر عادته (١٢).
__________________
(١) الهمزة ساقطة من ب.
(٢) زيادة من أ.
(٣) انظر البغوي ٦ / ١٢٠ و ١٢١.
(٤) الرازي ٢٧ / ١٦٣.
(٥) كذا في النسختين جنوب والأصح جندب أبو عبد الله الهذليّ مولاهم المدني القاص ، تابعي مشهور عرض على عبد الله بن عياش ونافع وعنه ابنه وزيد بن أسلم ، وابن أبي ذئب ، وغيرهم مات سنة ١٣ ه. انظر الغاية ٢ / ٢٩٦.
(٦) انظر مختصر ابن خالويه ١٣٤ والكشاف ٢ / ٤٦٦.
(٧) بالمعنى من الكشاف ـ المرجع السابق ـ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٥٢.
(٨) هو هذيل بن مدركة كما قال أبو حيان في البحر ٧ / ٥١٥.
(٩) في البحر : إجراء للمعتلّ مجرى.
(١٠) في النسختين حصيات وفي البحر والسمين جفنات وهو المراد.
(١١) وانظر البحر ٧ / ٥١٥.
(١٢) الدر المصون ٤ / ٧٥٢ وهو بالمعنى منه.