القربى وصلوا رحمي ، ولا تؤذوني (١). وإلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضّحّاك (٢).
الثاني : روى الكلبي عن ابن عباس ، قال : إن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما قدم المدينة كانت تنوبه(٣) نوائب وحقوق ، وليس في يده سعة فقالت (الأنصار) (٤) : إن هذا الرجل هداكم (٥) هو ابن أخيكم ، وأجاركم من بلدكم ، فاجمعوا له طائفة من أموالكم ، ففعلوا ثم أتوه بها ، فردها عليهمونزل قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي على الإيمان (إلا) (٦) أن لا تؤذوا أقاربي وعشيرتي ، وتحفظوني فيهم ، قاله سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب(٧).
الثالث : قال الحسن : معناه إلا أن تودّوا الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح ، ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد (٨).
فالقربى على القول الأول بالقرابة التي بمعنى الرّحم ، وعلى الثاني بمعنى الأقارب ، وعلى الثالث فعلى من القرب والتّقريب.
فإن قيل : طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز لوجوه :
أحدها : أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر ، فقال في قصة نوح ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الشعراء : ١٠٩] .. الآية وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ ورسولنا أفضل الأنبياء فبأن لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى.
وثانيها : أنه ـ عليه الصّلاة السّلام ـ صرّح بنفي طلب الأجر فقال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] وقال : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] .. الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلا عن أعلم العلماء.
ورابعها : أن النبوة أفضل من الحكمة ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ووصف الدنيا بأنها متاع قليل فقال : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] فكيف يحسن بالعاقل مقابلة أشرف الأنبياء بأخس (٩) الأشياء؟!
__________________
(١) الرازي ٢٧ / ١٦٤ والقرطبي المرجع السابق.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٦ / ١٢١.
(٣) في الرازي تعروه.
(٤) سقط من أ.
(٥) في الرازي : هداكم الله على يده.
(٦) سقط من ب وفي الرازي : إلا أن تودّوا أقاربي. الرازي السابق.
(٧) نقله القرطبي في الجامع ١٦ / ٢١.
(٨) السابق ٢٦ / ٢٢ وانظر البغوي ٦ / ١٢١ والرازي السابق ٢٧ / ١٦٥.
(٩) في ب : أحسن تحريف.