قلبه منازعة. ثم قال : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي الواجبة لأن هذا هو الشرط في حصول الثواب.
قوله : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون. والشّورى مصدر كالفتيا بمعنى التّشاور (١). (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
قوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) أي الظلم والعدوان (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أي ينتقمون من ظالمهم من غير أن يعتدوا. قال ابن زيد : جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عن ظالمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وصنف ينتصرون من ظالمهم وهم المذكورون في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا ، فإذا قدروا عفوا. وقال عطاء : هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ، ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم (٢). وعن النّخعيّ أنه كان إذا قرأها قال : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم السفهاء (٣).
فإن قيل : هذه الآية مشكلة لوجهين :
الأول : أنه لما ذكر قبله : وإذا ما غضبوا هم يغفرون كيف يليق أن يذكر معه ما يجري مجرى الضد له وهم الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون؟!
الثاني : أن جميع الآيات دالة على أن العفو أحسن ، قال تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] وقال : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢] وقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩] وقال : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل : ١٢٦]؟
فالجواب : أن العفو على قسمين :
أحدهما : أن يصير العفو سببا لتسكين الفتنة ورجوع الجاني عن جنايته.
والثاني : أن يصير العفو سببا لمزيد جرأة الجاني وقوة غيظه ، فآيات العفو محمولة على القسم الأول ، وهذه الآية محمولة على القسم الثاني وحينئذ يزول التناقض.
روي : أن زينب أقبلت على عائشة تشتمها فنهاها النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عنها فلم تنته فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (دونك (٤) فانتصري) وأيضا فإنه تعالى لم يرغّب في الانتصار ، بل بين أنه مشروع فقط ، ثم بين أن مشروعيته مشروطة برعاية المماثلة (٥) فقال : «وجزاء سيّئة سيّئة
__________________
(١) في الرازي جعل فعلى صفة كفعلى صفة مثل : قسمة ضيزى. وانظر المرجع السابق.
(٢) البغوي ٦ / ١٢٧.
(٣) نقله القرطبي بلفظ : «فتجترىء عليهم الفساق» انظر الجامع ١٦ / ٣٩.
(٤) تصحيح من تفسير الإمام الرازي ففي النسختين : فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سبّيها ، ولا أدري من أي مرجع أخذ المؤلف هذه اللفظة.
(٥) انظر هذا في تفسير العلامة فخر الدين الرازي ٢٧ / ١٧٧.