يكون قد أتلف على مالك العبد شيئا (ف) (١) يساوي عشرة دنانير مثلا فوجب أن يلزمه أداء عشرة دنانير لهذه الآية وإذا وجب الضّمان وجب أن لا يجب القصاص ، لأنه لا قائل بالفرق ، فوجب أن يجري القصاص بينهما. والدليل على أن المماثلة شرط لوجوب القصاص هذه الآية ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [غافر : ٤٠] وقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) وقوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨]. والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة فهذه النصوص تقتضي مقابلة الشيء بمثله. ودلت الآية أيضا على أن الأيدي تقطع باليد الواحدة ؛ لأن كل القطع أو بعضه صدر عن (كل) (٢) أولئك القاطعين أو عن بعضهم. فوجب أن يشوع في حق أولئك القاطعين مثله بهذه النصوص.
فإن قيل : فيلزم استيفاء الزيادة من الجاني وهو ممنوع!.
فالجواب : أنه لما وقع التعارض بين جانب الجاني وبين جانب المجنيّ عليه كان جانب المجني عليه بالرعاية أولى. ودلت الآية أيضا على مشروعية القصاص في حق شريك الأب لأنه صدر عنه الجرح فوجب أن يقابل بمثله. ودلت الآية أيضا على أن من حرق حرقناه ، ومن غرّق غرقناه ، وعلى أن شهود القصاص إذا رجعوا وقالوا : تعمدنا الكذب يلزمهم القصاص ؛ لأنهم بتلك الشهادة أهدروا دمه فوجب أن يهدر دمهم. ودلت أيضا على أن المكره (٣) يجب عليه القود (٤) ، لأنه صدر منه القتل ظلما فوجب مثله أما صدور القتل فالحسّ يدل عليه ، وأما أنه قتل ظلما فلإجماع المسلمين على أنه مكلف بأن لا يقتل فوجب أن يقابل بمثله ودلت أيضا على أن منافع الغصب مضمونة ، لأن الغاصب فوّت على المالك منافع تقابل في العرف بدينار مثلا فوجب أن يفوّت على الغاصب مثله من المال (٥).
قوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) بالعفو بينه وبين ظالم ه «فأمره إلى الله». قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له عند الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلّا من عفا. ثم قرأ هذه الآية «إنّ الله (لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٦) : الذين يبدأون بالظلم (٧) ، وفيه تنبيه على أن المجني عليه لا يجوز له الزيادة والتعدي في الاستيفاء خصوصا في حال الحرب والتهاب الحمية فربما صار المظلوم عند الاستيفاء ظالما.
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب المكذب.
(٤) هو قتل النفس بالنفس شاذ كالحوكة والخونة ، وقال الجوهري : هو القصاص. انظر اللسان والصحاح قود.
(٥) وكل هذه الأشياء عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ فيما نقله عنه الرازي في التفسير الكبير.
(٦) زيادة من أالأصل.
(٧) انظر معالم التنزيل ٦ / ١٢٧.