سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ)(١٤)
قوله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا) «كم» خبرية مفعول مقدم ، و (مِنْ نَبِيٍّ) تمييز و (فِي الْأَوَّلِينَ) يتعلق بالإرسال أو بمحذوف على أنه صفة «لنبيّ» والمعنى : أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب والاستهزاء ، فلا ينبغي أن يتأذّى بسبب تكذيبهم ، واستهزائهم ، لأن المصيبة إذا عمت خفت.
ثم قال : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي إن أولئك المتقدمين الذين أرسل إليهم الرسل ، كانوا أشدّ بطشا من قريش وأكثر عددا وجلدا.
قوله «بطشا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه تمييز «لأشد» والثاني : أنه حال من الفاعل أي أهلكناهم باطشين (١).
قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) والمعنى أن كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم فليحذروا أن ينزل بهم الخزي مثل أنزل بالأولين (٢). أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم ، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) الآية والمعنى : ولئن سألت قومك من خلق السماوات والأرض؟ وقيل : الضمير في «سألتهم» يحتمل رجوعه إلى الأنبياء. والأقرب الأول ، أي أنهم مع كفرهم مقرين بعزته ، وعلمه ، ثم عبدوا غيره ، وأنكروا قدرته على البعث ، لفرط جهلهم (٣).
قوله : (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) كرر الفعل للتوكيد ؛ إذ لو جاء «العزيز» بغير «خلقهن» لكان كافيا ، كقولك : من قام؟ فيقال : زيد. وفيها دليل على أن الجلالة الكريمة من قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٤) [الزخرف : ٨٧] مرفوعة بالفاعلية ، لا بالابتداء للتصريح بالفعل في نظيرتها.
وهذا الجواب مطابق للسؤال من حيث المعنى ، إذ لو جاء على اللفظ لجيء فيه بجملة ابتدائية كالسؤال.
قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً)(٥) اعلم أنه قد تم الإخبار عنهم ، ثم ابتدأ
__________________
(١) نقل هذه الإعرابات كلها أبو البقاء في التبيان ١١٣٧ ، والسمين في الدر المصون بتفصيل نقلا عنه ٤ / ٧٧٣.
(٢) قال بهذه المعاني الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٩٥.
(٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٩٦ و ١٩٥ بالمعنى منه.
(٤) انظر هذا في الأشباه والنظائر للإمام السيوطي ٢ / ٥٠ ، والدر المصون للإمام السمين الحلبي ٤ / ٧٧٣.
(٥) في النسختين مهادا وما ذكرته موافق للمصحف والمعهود منه.