قيل : بل وجه التشبيه أنه يعيدهم ويخرجهم من الأرض بماء كالمني كما تنبت الأرض بماء المطر ، وهذا ضعيف ؛ لأن ظاهر لفظ الإنشار الإعادة فقط دون هذه الزيادة.
قوله تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها ،) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ الأزواج الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى.
وقال بعض المحققين : كل ما سوى الله فهو زوج ، كالفوق ، والتّحت ، واليمين ، واليسار ، والقدّام والخلف ، والماضي ، والمستقبل ، والذّوات والصّفات ، والصيف ، والشّتاء ، والربيع والخريف. وكونها أزواجا يدل على أنها ممكنة الوجود في ذواتها محدثة مسبوقة بالعدم ، فأما الحق تعالى فهو المفرد المنزه عن الضّدّ والنّدّ ، والمقابل ، والمعاضد ، فلهذا قال تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي كل ما هو زوج فهو مخلوق ، فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية.
قال ابن الخطيب : وأيضا علماء الحساب بينوا أن المفرد (١) أفضل من الزوج لوجوه :
الأول : أن الاثنين لا توجد إلا عند حصول وحدتين ، فالزوج محتاج (٢) إلى الفرد ، والفرد هو الواحدة وهي غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج.
الثاني : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين والفرد لا يقبل القسمة ، وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة ، فكان الفرد أفضل من الزوج.
(ثم ذكر وجوها (٣) أخر (٤) تدل على أن الفرد أفضل من الزوج) وإذا كان كذلك ثبت أن الأزواج ممكنات ومحدثات ومخلوقات وأن الفرد هو القائم بذاته المستقلّ بنفسه ، الغني عمّا سواه.
قوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) ما موصولة وعائدها محذوف ، أي ما تركبونه ، وركب بالنسبة (إِلَى الْفُلْكِ)(٥) يتعدى بحرف الجر : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) [العنكبوت : ٦٥] وفي غيره بنفسه ، قال : (لِتَرْكَبُوها) [النحل : ٨] فغلب هنا المتعدي بنفسه على المتعدي بواسطة ، فلذلك حذف العائد (٦).
__________________
(١) كذا هي في أهنا وما في الرازي وب الفرد.
(٢) في الرازي : يحتاج.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٤) انظرها في تفسيره ٢٧ / ١٩٧ و ١٩٨ وانظر كل ما سبق في التفسير ٢٧ / ١٩٧ و ١٩٨.
(٥) سقط من ب.
(٦) قاله في الكشاف معنى ٣ / ٤٧٩ ، وفي الدر المصون لفظا ٤ / ٤٧٤.