نص النحويون على قلتها عدا أبا القاسم الزّجّاجيّ (١) ، فإنه جعلها لغة (٢) جيدة (٣).
قوله : (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي تذكرونها في قلوبكم ، وذلك الذكر هو أن يعرف أن الله تعالى خلق البحر وخلق الرياح ، وخلق جرم السفينة على وجه يمكن الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء ، فإذا تذكر أن خلق البحر ، وخلق الرياح ، وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصرف الإنسان ولتحريكاته ، إنما هو من تدبير الحكيم العليم القدير ، عرف أن ذلك نعمة من الله تعالى ، فيحمله ذلك على الانقياد لطاعة الله تعالى ، وعلى الاشتغال بالشكر ، لنعم الله التي نهاية لها.
قوله : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) مطيقين (٤) وقيل : ضابطين (٥).
واعلم أنه تعالى عين ذكرا لركوب السفينة والدابة ، وهو قوله : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) وذكر عند دخول المنازل : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [المؤمنون : ٢٩] وتحقيقة أن الدابة المركوبة لا بدّ أن تكون أكثر قوة من الإنسان بكثير ، وليس لها عقل يهديها إلى طاعة الإنسان ، ولكنه تعالى خلق تلك البهيمة على وجوه مخصوصة في خلقها الظاهر ، وخلقها الباطن ، فحصل منها هذا الانتفاع. أما خلقها الظاهر ، فلأنها تمشي على أربع ، وكان ظهرها يحسن لاستقرار الإنسان وأما خلقها الباطن فلأنها مع قوتها الشديدة قد صيّرها الله تعالى منقادة للإنسان ، ومسخّرة له ، فإذا تأمل الإنسان في هذه العجائب عظم تعجبه من تلك القدرة ، والحكمة التي لا نهاية لها ، فلا بدّ وأن يقول : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين(٦).
قوله : «(له) (٧) مقرنين» ، «له» متعلق «بمقرنين» ، وقدم للفواصل. والمقرن : المطيق للشيء الضابط له من : أقرنه : أي أطاقه. قال الواحدي : كأن اشتقاقه من قولك : صرت له قرنا ، ومعنى قرن فلان ، أي مثله في الشّدة (٨).
وقال أبو عبيدة : قرن لفلان أي ضابط له (٩). والقرن الحبل (١٠) ، وقال ابن هرمة :
__________________
(١) عبد الرحمن بن إسحاق ، أخذ عن ابن السراج ، ولازم الزجاج فنسب إليه وله من الكتب كتاب «الجمل» مات سنة ٣٣٧ وانظر نزهة الأولياء ٢٠٤ و ٢٠٥.
(٢) في (ب) آفة وهو تحريف.
(٣) انظر الدر المصون ٤ / ٧٧٥.
(٤) وهو قول ابن عباس والكلبي انظر القرطبي ١٦ / ٦٦.
(٥) وهو رأي الأخفش وأبي عبيدة ، انظر تفسير القرطبي ١٦ / ٦٦ والمجاز ٢ / ٢٠٢.
(٦) انظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١٩٨ و ١٩٩.
(٧) سقط من (ب.
(٨) وهذا رأي ابن سيده في المخصص «قرن» وابن منظور في اللسان ٣٦١٣.
(٩) مجاز القرآن ٢ / ٢٠٢.
(١٠) اللسان المرجع السابق ٣٦١١.