في الحكاية للقولين كذلك فيلزم أنهم لو نطقوا بتلك الأشياء على سبيل الجد أن يكونوا محقين ومعلوم (١) أنه كفر (٢).
وأما القول بأن الظن (٣) في القولين الأولين إنما يوجد (٤) على بعض (٥) ذلك القول وبعض(٦) القول الثالث لا على نفسه ، بل على إيراده على سبيل الاستهزاء فهذا يوجب تشويش النظم ، وأنهم لا يجوز في كلام الله تعالى.
قال ابن الخطيب : والجواب الحق عندي عن هذا الحكم هو ما ذكرنا في سورة الأنعام وهو أن القوم لما ذكروا هذا الكلام ، استدلوا بمشيئة الله تعالى للكفر على أنه لا يجوز ورود الأمر بالإيمان ، فاعتقدوا أن الأمر والإرادة يجب كونهما متطابقين وعندنا أن هذا باطل فالقوم لم يستحقوا الذم لمجرد قولهم : إن الله يريد الكفر من الكافر ، بل لأجل أنهم قالوا : لما أراد الكفر من الكافر وجب أن يقبح منه أمر الكافر بالإيمان ، فإذا صرفنا الذمّ إلى هذا المقام سقط استدلال المعتزلة بهذه الآية. وتمام التقرير موجود في سورة الأنعام (٧).
قوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) فيما يقولون (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ما هم إلا كاذبون في قولهم : إن الله رضي عنّا بعبادتنا. وقيل : إن هم إلا يخرصون في قولهم : الملائكة إناث وهم بنات الله.
قوله : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل القرآن (٨) ، أو الرسول (٩) بأن يعبد غير الله (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) يعني أن القول الباطل الذي حكاه الله عنهم عرفوا صحته بالعقل أو بالنقل؟ أما إثباته بالعقل فهو أيضا باطل ، لقوله تعالى : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) والمعنى أنهم وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن ، حتى جاز لهم أن يتمسكوا به؟ فذكر هذا في معرض الإنكار.
قوله : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) والمقصود أنه تعالى لما بين أنه لا دليل على صحة قولهم ألبتة لا من العقل ولا من النقل ، بين أنه ليس لهم حامل يحملهم عليه إلا التقليد المحض. ثم بين أن تمسك الجهال بالتقليد أمر كان حاصلا من قديم الزمان فقال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ
__________________
(١) في ب بأنه.
(٢) بالمعنى من الكشاف المرجع السابق ، وباللفظ من الفخر الرازي ٢٧ / ٢٠٤ ، ٢٠٥.
(٣) كذا في النسختين وفي الرازي : الطعن بدل الظن.
(٤) وفيه : «توجه» بدل يوجد.
(٥) وفيه : نفس بدل بعض.
(٦) وفيه : وفي القول بدل : وبعض القول.
(٧) وانظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٠٥.
(٨) قاله القرطبي ١٦ / ٧٤.
(٩) قاله به وسبقه الرازي في المرجع السابق.