قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ) وهو القرآن (قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) هذا نوع آخر من كفر آبائهم ، وهو أنهم قالوا : منصب الرسالة منصب شريف فلا يليق إلا برجل شريف ، وصدقوا في ذلك ، إلا أنهم ضموا إليه مقدّمة فاسدة ، وهو أن الرجل الشريف عندهم هو الذي يكون كثير المال والجاه ، ومحمد ليس كذلك ، فلا تليق رسالة الله به ، وإنما يليق هذا المنصب برجل عظيم الجاه ، كثير المال ، يعنون الوليد بن المغيرة بمكة ، وعروة بن مسعود الثّقفيّ بالطائف. قاله قتادة. وقال مجاهد : عتبة بن ربيعة من مكة وعبد ياليل الثقفيّ من الطائف. وعن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ هو الوليد بن المغيرة من مكة ، ومن الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي (١) وقيل : من إحدى القريتين. وقيل : المراد عروة بن مسعود الثّقفي كان بالطائف وكان يتردد بين القريتين فنسب إلى كليهما (٢). وقرئ : رجل بسكون العين ، وهي تميميّة (٣).
قوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يعني النبوة. والهمزة للإنكار. وهذا إبطال لشبهتهم وتقريره من وجوه :
الأول : أنا إذا أوقعنا التفاوت في مناصب الدنيا ، ولم يقدر أحد من الخلق على التفسير ، فالتفاوت الذي أوقعناه في مناصب الدين والنبوة بأن لا يقدروا على التّصرف أولى.
الثاني : إن اختصاص ذلك المعنى ذلك (٤) الرجل إنما كان لأجل حكمنا وفضلنا وإحساننا فكيف يليق بالعقل أن يجعل (٥) إحسانا إليه بكثرة المال حجة علينا في أن يحسن إليه بالنبوة؟.
الثالث : أنا إنما (٦) أوقعنا التفاوت في الإحسان بمنافع الدنيا لا بسبب سابق فلم لا يجوز أيضا أن يوقع التفاوت في الإحسان بمناصب الدين والنبوة لا لسبب سابق؟!.
ثم قال : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فجعلنا هذا غنيّا وهذا فقيرا ،
__________________
(١) ابن عوف بن ثقيف ، أخو مسعود بن عمر ، وأخو ربيعة جدّ أميّة ، ويقول ابن الأثير : وعندي في صحبته نظر. أسد الغابة لابن الأثير ١ / ٣٧٢.
(٢) انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي ١٦ / ٨٣ وانظر تقدير المضاف في الفراء ٣٠ / ٣١ والقرطبي ١٦ / ٨٣.
(٣) ذكرها القرطبي في المرجع السابق ١٦ / ٨٣ ولم تنسب فيه ولا في الكشاف ٣ / ٤٨٥.
(٤) في ب بذلك وعبارة الرازي : أن اختصاص ذلك الغني بذلك المال الكثير ... الخ.
(٥) كذا في ب وفي الرازي : نجعل بالنون.
(٦) في الرازي : لما.