أيضا تأثيره في منافع الدنيا فقال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي أنه يعني القرآن «لذكر لك» لشرف لك (١) «ولقومك» من قريش نظيره : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) شرفكم وأنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك ، حيث يقال : إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله عزوجل لقوم من هؤلاء.
وهذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ولو لم يكن الذكر الجميل أمرا مرغوبا فيه لما منّ الله تعالى به على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : (إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) ولما طلبه إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة ، بل الذكر أفضل من الحياة ؛ لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي ، وأما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل زمان وكل مكان ثم قال تعالى : (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) قال الكلبي : تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل. وقال مقاتل : يقال لمن كذب به : لم كذّبت؟ فيسأل سؤال توبيخ.
وقيل : تسألون هل عملتم بما دل عليه القرآن من التكاليف (٢). وروى الضحاك عن ابن عباس ـ (رضي الله عنهم (٣)) ـ : أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك؟ لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية ، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك؟ قال لقريش(٤).
وروى ابن عمر ـ (رضي الله عنهما (٥)) ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان» (٦) وروى معاوية قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدّين (٧). وقال مجاهد : القوم هم العرب ، فالقرآن لهم شرف ، إذ نزل بلغتهم ، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ثم يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم (٨).
وقيل : ذكر لك بما أعطاك من الحكمة ، ولقومك من المؤمنين ، بما هداهم الله به ، وسوف تسألون عن القرآن ، وعما يلزمكم من القيام بحقه.
قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ
__________________
(١) في ب لذلك بدل لك تحريف.
(٢) انظر الرازي ٢٧ / ٢١٥.
(٣) زيادة من أ.
(٤) انظر القرطبي ١٦ / ٩٤.
(٥) زيادة من أ.
(٦) ذكره البخاري في صحيحه ٤ / ٢٣٣ و ٢٣٤.
(٧) رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ ٤ / ٢٣٣.
(٨) ذكره القرطبي ١٦ / ٩٤.