كما تقول لغيرك : «أتأكل أم» أي أتأكل أم لا تأكل؟ لكنك تقتصر على كلمة أم اقتصارا(١).
قال أبو عبيدة : معناها بل أنا خير (٢) ، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله : أفلا تبصرون. ثم ابتدأ فقال : أم أنا خير ، يعني بل أنا خير. وقال الباقون أم هذه متصلة ، لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون؟ إلا أنه وضع قوله : (أَنَا خَيْرٌ) موضع : (تُبْصِرُونَ) ، لأنهم إذا قالوا له : أنت خير فهم عنده بصراء (٣).
قوله : (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) أي ضعيف حقير يعني موسى (وَلا يَكادُ يُبِينُ) أي يفصح لسانه لرتّة (٤) كانت في لسانه.
فإن قيل : أليس أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ سأل الله أن يزيل الرّتة عن لسانه بقوله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه : ٢٧ و ٢٨] فأعطاه الله ذلك بقوله تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) فكيف عابه فرعون بتلك الرّتة؟!.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن فرعون أراد بقوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) حجته التي تدل على صدقه ، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام.
والثاني : أنه عابه بما كان عليه أولا ، وذلك أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مكث عند فرعون زمانا طويلا ، وكان في لسانه حبسة فنسبه فرعون إلى ما عهد عليه من الرّتة ؛ لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عنه (٥).
قوله تعالى : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ) قرأ حفص (٦) أسورة كأحمرة (٧). والباقون أساورة ، فأسورة جمع «سوار» كحمار ، وأحمرة ، وهو جمع قلة. وأساورة جمع إسوار بمعنى سوار ، يقال : سوار المرأة ، وأسوارها. والأصل أساوير بالياء ، فعوض من حرف المد تاء التأنيث ، كبطريق وبطارقة ، وزنديق وزنادقة (٨).
__________________
(١) الذي في معاني القرآن له ٣ / ٣٥ : من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت رددته على قوله «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ»؟
(٢) مجاز القرآن ٢ / ٢٠٤.
(٣) بتوضيح وتفصيل من الإمام الرازي ٢٧ / ١١٨.
(٤) هي العجلة في الكلام وقلة الأناة وقيل غير ذلك. انظر اللسان (رتت) ١٥٧٥.
(٥) انظر الرازي ٢٧ / ٢١٩.
(٦) عن عاصم وتروى عن أهل المدينة أيضا وعن يعقوب وهي من القراءات المتواترة انظر السبعة ٥٨٧ ومعاني الفراء ٣ / ٣٥ والإتحاف ٣٨٦.
(٧) كذا في النسختين وفي الدر المصون كأخمرة بالخاء وخمار أيضا بالخاء المعجمة.
(٨) الدر المصون ٣ / ٧٩٣ ومعاني القرآن ٦٩٠ ، والكشاف ٣ / ٤٩٣.