ملائكة (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي يكونون خلفا منكم (١) يعمرون الأرض ، ويعبدونني ويطيعوني(٢). وقيل : يخلف بعضهم بعضا (٣).
قوله : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) في من هذه أقوال :
أحدها : أنها بمعنى بدل أي لجعلنا بدلكم كما تقدم (٤) في التفسير ، ومنه أيضا (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] أي بدلها. وأنشد (ـ رحمة (٥) الله عليه) ـ :
٤٤١٥ ـ أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة |
|
ظلما ويكتب للأمير إفالا (٦) |
وقال آخر :
٤٤١٦ ـ جارية لم تأكل المرقّقا |
|
ولم تذق من البقول الفستقا (٧) |
والثاني : وهو المشهور : أنها تبعيضية. وتأويل الآية لولدنا منكم يا رجال ملائكة في الأرض يخلفونكم كما تخلفكم أولادكم ، كما ولدنا عيسى من أنثى دون ذكر. ذكره الزمخشري (٨).
والثالث : أنها تبعيضية قال أبو البقاء وقيل : المعنى لحوّلنا بعضكم ملائكة (٩).
قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ) المشهور أن الضمير «لعيسى» يعني نزوله آخر الزمان ، وقيل : الضمير للقرآن ، أي فيه علم الساعة وأهوالها ، أو هو علامة على قربها ومنه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ومنه : «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» (١٠). والعامة على «علم» مصدرا جعل علما مبالغة ، لمّا كان به يحصل العلم ، أو
__________________
(١) وهو رأي السدي.
(٢) وهو رأي مجاهد رضي الله عن الجميع.
(٣) انظر هذا في القرطبي ١٦ / ١٠٥ ، وبالأخير قال الإمام الزجاج في معانيه ٤ / ٤١٧.
(٤) ذكره السمين في الدر المصون ٤ / ٧٩٧ والزجاج في معاني القرآن ٤ / ٤١٧ ونقله القرطبي عن الأزهري في الجامع ١٦ / ١٠٥.
(٥) زيادة من أ.
(٦) أوردت النسختان إفالا ، وليس كذلك البيت في ديوان الراعي والبيت له من تام الكامل من قصيدة طويلة يخاطب بها عبد الملك بن مروان. والمخاض : الحوامل من النّوق واحدها خلفة من غير لفظها ، والفصيل ولد الناقة عند فطامه. والغلبة مصدر بمعنى الغلبة ، والأفيل الصغير من الإبل ، وسمي بذلك لأفوله أي لغيبته بينهما. ومعناه أن عمال الزكاة يأخذون النوق ويحرمون صغارها ومع ذلك يخبرون الأمير بأنهم لم يأخذوا من أصحاب الأموال إلا الإفال من الإبل. وقد تقدم.
(٧) من الرجز وينسب لأبي نخيلة وشاهده كسابقه في مجيء من بمعنى البدل وقد تقدم.
(٨) الكشاف ٣ / ٤٩٤.
(٩) انظر التبيان ١١٤١ ولم ينسبه.
(١٠) ذكره البخاري ٣ / ٢١٢ عن سهل بن سعد.