عن مقارّها من شدة الخوف ، وقال أبو مسلم : يوم الآزفة يوم حضور الأجل لأنه تعالى وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق ويوم هم بارزون ، ثم قال بعده : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) فوجب أن يكون ذلك اليوم غير ذلك اليوم وأيضا فهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات بيوم الموت قال تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة : ٨٣] ، وقال (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [القيامة : ٢٦] وأيضا فوصف يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب ، وأيضا فالصفات المذكورة بعد قوله : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) لائقة بيوم حضور المنية ؛ لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب يعظم (١) خوفه (٢) ، فكأنّ قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف وبقوا كاظمين ساكتين عن ذكر ما في قلوبهم من شدة الخوف ، ولا يكون لهم من حميم ولا شفيع يطاع ويدفع ما به من أنواع الخوف والقلق (٣).
قوله : «كاظمين» نصب على الحال ، واختلفوا في صاحبها والعامل فيها ، فقال الحوفيّ: «القلوب» مبتدأ ، و (لَدَى الْحَناجِرِ) خبره و «كاظمين» حال من الضمير المستكن فيه(٤).
قال شهاب الدين : ولا بد من جواب عن جمع العقول القلوب جمع من يعقل فقال «كاظمين» وهو أن يكون لما أسند إليهم ما يسند للعقلاء جمعت جمعه كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] و (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ويعضّده قراءة من قرأ : «كاظمون» (٥).
الثاني : أنها حال من «القلوب» وفيه السؤال والجواب المتقدمان ، والمعنى أن القلوب كاظمة عن كرب وغمّ (٦) مع بلوغها الحناجر (٧).
والثالث : أنه حال من أصحاب القلوب قال الزمخشري : هو حال من أصحاب القلوب على المعنى ؛ إذ المعنى إذ قلوبهم لدى الحناجر (٨) كاظمين عليها. قال شهاب الدين : فكأنه في قوة أن جعل «أل» عوضا من الضمير في حناجرهم (٩).
الرابع : أن يكون حالا من «هم» في «أنذرهم» (١٠) ويكون حالا مقدرة لأنهم وقت
__________________
(١) في ب : يعلم.
(٢) تصحيح من الرازي ففي النسختين فوقه بدل من خوفه.
(٣) وانظر الرازي ٢٧ / ٤٩ ، ٥٠.
(٤) نقله أبو حيان في البحر ٦ / ٤٥٦ والسمين ٤ / ٦٨٥.
(٥) وانظر الدر المصون ٤ / ٦٨٥.
(٦) في ب وغمة بتاء تأنيث.
(٧) وانظر هذا الرأي في تفسير أبي حيان البحر المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٦٨٥ والكشاف ٣ / ٤٢٠ والتبيان ١١١٧ ومعاني الأخفش ٦٧٧.
(٨) في الكشاف لدى حناجرهم الكشاف ٣ / ٤٢٠.
(٩) الدر المصون ٤ / ٦٨٥.
(١٠) قاله أبو البقاء في التبيان ١١١٧ والفراء في المعاني ٣ / ٦.