«كان» قد تدل على الدوام. كقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) إلى ما لا يحصى (١). والصحيح من مذاهب النحاة أنها لا تدل على الانقطاع والقائل بذلك يقول ما لم تكن قرينة كالآيات المذكورة (٢).
وروي عن عبد الله بن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٣) ـ أن المعنى ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك ، جعل «إن» بمعنى الجحد ، وقال السدي معناه : ولو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك ولكن لا ولد له (٤). وتقدم الخلاف في قراءتي «ولد» و «ولد» في مريم (٥). ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي عما يقولون من الكذب وذلك أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما كان كذلك فهو لا يقبل التّجزيء بوجه من الوجوه ، والولد عبارة أن ينفصل عن الشيء جزء فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله ، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتّجزيء والتبعيض ، وإذا كان ذلك محالا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد.
ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي يخوضوا في باطلهم ، ويلعبوا في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يعني يوم القيامة. والمقصود منه التهديد ، يعني قد ذكرت الحجة على فساد ما ذكروا ، فلم يلتفتوا إليها ، لأجل استغراقهم في طلب المال والجاه ، والرياسة ، فاتركهم في ذلك الباطل ، واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود (٦).
قوله : «يلاقوا» قراءة العامة من الملاقاة. وابن محيصن ويروى عن أبي عمرو «يلقوا» من «لقي» (٧). قوله (تعالى) (٨) : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «في السماء» متعلق
__________________
ـ نافية ، والعابدين من العبادة وإنما هذا الذي نقله المؤلف للطبريّ انظر المشكل ٢ / ٢٨٤ وجامع البيان ٢٥ / ٦١.
(١) البحر ٨ / ٣٨ و ٣٩.
(٢) انظر الدر المصون ٤ / ٨٠٤.
(٣) زيادة من أ.
(٤) انظر القرطبي ١٦ / ١١٩.
(٥) يقصد قوله : «ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ» ٣٥ منها فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح اللام والواو إلا في نوح فقرأها بالضم ، ونافع وعاصم وابن عامر بالفتح مفردا كأسد في كل القرآن وحمزة والكسائي بضم الواو وسكون اللام جمعا كأسد ، وانظر في هذا السبعة لابن مجاهد ٢١٤ وإبراز المعاني ٥٨٥ والإتحاف ٣٠١.
(٦) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٣١.
(٧) ذكرها أبو حيان وابن خالويه عن أبي جعفر وابن محيصن فقط انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩ ومختصر ابن خالويه ١٣٦ وبيدو أن هذه القراءة من الشواذ فلم أجدها في المتواتر عن أبي عمرو قراءة ونسبة إلا في الدر المصون ٤ / ٨٠٤ بضبط من أعلى بالتاء ، بينما قال أبو حيان في البحر : «وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو يلقوا».
(٨) زيادة من ب.